مع سقوط برجى مركز التجارة العالمى ، وارتطام الطائرتين المدنيتين به ، فى الحادى عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ م، استعاد العالم كله تنبؤات الفلكى الفرنسى الأشهر (ميشيل دى نوستر اداموس) ، والذى أشار إلى هذه الضربة منذ خمسة قرون ، فى كتابه الأكثر شهرة ( قرون) .. وفى عشرات الصحف والمجلات العربية ، قرأنا رباعية نسبت إلى (نوستر اداموس) ، وتقول : ملك الرعب العظيم يهبط على المدينة الجديدة .. نار ودخان وصراخ ودموع وانهيارات .. تسقط القلعة ، وينهار التوءمان ..وتشتعل الحروب فى كل مكان . وعندما حصلت على نسخة مؤكدة من كتاب (نوستر اداموس) الشهير ، والأبحاث الملحقة به ، لعمل هذه الدراسة ، كان أول ما بحثت عنه هو هذه الرباعية ، التى تمادى البعض ، فأضاف إليها التاريخ بالشهر والسنة .. ولكننى لم أعثر عليها قط .. قرأت الكتاب مرتين ، وثلاثا ، دون أدنى جدوى .. الرباعية الوحيدة ، التى ذكرت اسم (ملك الرعب) ، هى تلك التى تقول : فى عام ١٩٩٩ وسبعة أشهر .. سوف يأتى ملك الرعب من السماء .. وسيعود إلى الحياة ملك المغول العظيم .. سيحكم قبل الحرب وبعدها فى سعادة ..
ولو أننا طبقنا قاعدة الإزاحة ، الخاصة بما يذكره (نوستر اداموس) من تواريخ ، فهذا يعنى أن ما أشار إليه يمكن أن يحدث خلال عشر سنوات ، قبل أو بعد التاريخ والإشارة إلى المغول هنا تلقى على الصينيين تبعة إشعال الحرب ، فى نهايات القرن العشرين ، أو بدايات القرن الحادى والعشرين .. ولكن هناك تنبؤات أكثر دقة ، بشأن ما أصاب (نيويورك) ، منها مثلا تلك التى تقول : حريق هائل يحدث ، بعد شروق الشمس .. الضوضاء والضياء ينتشران نحو الشمال .. الموت والصرخات فى كل مكان من الكرة .. وهناك المزيد ، مع الأسلحة ، والنار ، والمجاعة . راجع معى هنا أن الضربة قد حدثت فى الصباح الباكر ، بعد شروق الشمس ، وأن الدخان ، الذى رأيناه جميعا ، فى كل مكان فى الكرة الأرضية ، كان يتجه وينتشر نحو الشمال ، والقتلى من كل الجنسيات ، والعالم كله رأى ما حدث، وصرخ وبكى ، ثم جاءت الحرب ، بالأسلحة والنار والمجاعة .. كل الباحثين ، فى كل العصور ، اعتبروا هذه الرباعية إشارة إلى كارثة تحدث فى (نيويورك) ، وحددوا زمنها فلكيا ببدايات القرن الحادى والعشرين .. ثم إنه هناك رباعية أخرى ، تقول : السماء تحترق ، بين الأربعين والخمسة وأربعين درجة .. الحريق فى المدينة العظيمة الجديدة .. اللهب الكبير ينتشر إلى أعلى مباشرة .. والكل يسعى للحصول على دليل من النورمانديين .
لاحظ أن (نيويورك) تقع بين خطى عرض ٤٠ ، ٤٥ على الخرائط ، والنيران اشتعلت فى برجى التجارة العالميين ، وانتشرت إلى أعلى ، وبعد انهيارهما راح الأمريكيون يبحثون عن دليل لإدانة (أسامة بن لادن).، الذى اتجهت إليه أصابع اتهامهم منذ اللحظة الأولى .. والعجيب فهم، حتى فى هذا استعانوا برباعيتين من رباعيات (نوستر اداموس) ؛ لتأكيد اتهامهم ، إحداهما تقول : يحافظ الرجل النحيف على الحكم تسع سنوات .. ثم يقع فى تعطش دموى رهيب ..أمة عظيمة تموت من أجله ، دون إيمان أو قانون ..ثم يقتل على يد رجل أفضل منه .ومن منظورهم ، رأى الأمريكيون أن النحيف هو (أسامة بن لادن) ، والأمة التى ستموت من أجله دون طائل هى الأمة الإسلامية، أما الرجل الافضل منه فهو الرئيس الأمريكى بالطبع.. هل يمكن أن يقنعك هذا التفسير ؟!
أما الرباعية الثانية ، والتى يتصورون أنها تشير إلى حربهم طويلة الأمد ، والضربات الجوية العنيفة ، وصمود (أسامة بن لان) وجيشه ، والدماء التى ستسيل أنهارا ، فهى تلك التى تقول : فى ظل السلطة الصارخة للشيخ الملتحى ..توضع قواعد العقاب الصارم ..الشخص العظيم يثابر إلى حد بعيد ..ضوضاء الأسلحة فى السماء ، والبحر الليغورى أحمر .وبالنسبة لزمن كتابة هذه الرباعات ، كان البحر الليغورى هو الجزء الشمالى الشرقى من البحر الأبيض المتوسط .. ولكن لاحظ هنا الحديث عن ضوضاء الأسلحة فى السماء ، والذى يشير إليه (نوستر اداموس) فى عدة مواضع من رباعياته ، كلما أراد وصف معركة جوية .. والأمريكيون يميلون بشدة إلى تصديق الرباعيتين ، ما دام الانتصار سيتحقق لهم فيهما فى النهاية ، ولكن الرعب يزلزل كيانهم حتى النخاع من رباعية أخرى مخيفة ، تقول فى وضوح : حديقة العالم ، قرب المدينة الجديدة .. فى طريق الجبال المجوفة . يتم الاستيلاء عليها وتقحم فى الصهاريج . المدينة تجبر على شرب ماء مسمم بالكبريت . فمدينة (نيويورك) تعتمد فى ماء الشرب على المياه الجوفية الجبلية ، والرباعية هنا تشير إلى عملية لتسميم هذه المياه ، لقتل المدينة كلها .. إنها الحرب الكيماوية أو البيولوجية ، التى أصبح كل مخلوق فى (أمريكا) يرتجف منها ، وخاصة بعد ظهور حالات إصابة بالجمرة الخبيثة بالفعل ..
و ( نوستر اداموس ) يشير أيضا إلى حرب عنيفة ، تحدث فى بدايات القرن الحادى والعشرين ، ولقد حدد هذا عندما يقترن المشترى ، ورمزه الصولجان ، بالمريخ ، وهذا سيحدث - فلكيا ـ فى الحادى والعشرين من يونيو ٢٠٠٢ م.. وفى رباعيته ، يقول الرجل : المريخ والصولجان سيقترنان .. حرب مدمرة تحت برج السرطان .. بعدها بفترة قصيرة يأتى ملك جديد ..وسيجلب السلام للأرض لفترة طويلة .إذن ، فهو يتوقع اندلاع الحرب فى يونيو ٢٠٠٢ م ، ثم يعقبها عهد من السلام .. والعجيب أن هذا ما يتوقعه العالم أجمع ، بعد أن بدأت ( أمريكا) حربها مع الأفغان بالفعل .. أن تتطور الأمور ، وتحدث المشكلات ، على الحدود الإيرانية ، والروسية ، والصينية ، مما يؤدى إلى اشتعال الموقف أكثر .. وأكثر .. وأكثر .. ولكن ليس بالضرورة أن نتصور أن كل ما يقوله أو يتنبأ به ( نوستر اداموس ) قابل للحدوث ، فكما قلنا من قبل ، نسبة النجاح لا ينبغى أن تصل إلى مائة فى المائة أبدا .. يكفينا سبعون أو ثمانون فى المائة .. ولقد تجاوز (ميشيل دى نوستر اداموس) هذه النسبة بكثير ..
وذات يوم، وفى أيام شبابه الأولى، أراد أحد المتشككين أن يختبر قدراته ، فدعاه إلى منزله، واصطحبه إلى حظائره ليريه خنزيرين ، أحدهما أسود، والآخر أبيض ، وسأله : أيهما سيتناولونه على الشاء ، فأخبره (ميشيل) أنهم سيتناولون الأسود ؛ لأن الأييض سيلتهمه ذئب .. وهنا أمر الرجل بذبح الخنزير الأبيض ، وتقديمه على العشاء ، وإغلاق كل الأبواب ؛ لمنع أى ذئب من الدخول ،. ولكن ذئبا مهجنا، يحيا فى كنف الرجل ، اختطف الخنزير الأبيض قبل طهيه ، واختفى به ، فلم يجد الطاهى أمامه سوى ذبح الأسود ، وتقديمه على العشاء .. وكان هذا انتصارا للفلكى (نوستر اداموس) ، الذى لم يبال أبدا بما يتركه خلفه من انبهار ، ولم يسع قط للشهرة أو الثراء ، وإن قضى أيامه الأخيرة يراجع الطالع ، ويقرأ النجوم لأصدقاء وصديقات زوجته ..
أما آخر نبوءاته ، فقد اختصت به شخصيا ، إذ تفاقمت إصابته بمرض النقرس ، وتحولت إلى الاستسقاء ، ورقد تماما فى فراشه ، وذات يوم ، وبينما طبيبه يفحصه ابتسم (نوستر اداموس ) فى شحوب، وأخبره أنها آخر مرة يراه فيها ، وأن عينه لن تقعا عليه بعدها قط ، ولكن الطبيب طمأنه بأن حالته تتحسن ، ثم ضحك وهو يضيف أنه - وعلى أسوأ الفروض - سيراه جثة هامدة .. ولكن هذا لم يحدث قط .. لقد مات (ميشيل دى نوستر اداموس ) فى فرشه فى هدوء، فى الأول من يوليوعام ١٥٦٦ م، فى حين أصيب طبييه فى الليلة نفسها بالتواء فى كاحله ، فلم يلق عليه نظرة واحدة ، حتى تم دفنه . وغادر ( نوستر اداموس) العالم ، تاركا خلفه تاريخا حافلا، وكتابا يحوى كومة من الرباعيات ، ما زالت تصبينا بالدهشة والاثبهار ، وما زالت تواصل نجاحها وقوتها ، عبر قرون ، وقرون ، باعتباره رجلا فريدا.. رجل رأى الغد ..
د / نبيل فاروق رمضان .
تمت بحمد الله
نلتقى قريبا مع موضوع جديد
و
بالعلم والعقل