recent
أخبار ساخنة

الرجل الذى رأى الغد (نوستراداموس الجزء الثالث)

فى بداية القرن الأول من كتابة (قرون) ، شرح لنا (ميشيل دى نوستر اداموس) كيف حصل على تنبؤاته ، فيقول فى رباعيته الأولى : أجلس وحيدا فى الليل ، فى دراسة متكتمة إنها موضوعة على حامل نحاسى ثلاثى القوائم شعلة واهية تندفع من قلب الفراغ وترى ما ينبغى أن تؤمن به ؛ لأنه باطل . تناقض مدهش ، يبدأ به فلكى وعالم كتابا ، أصبح الأشهر عبر القرون ، فهو يصف لنا كيف يجلس فى خلوة ، مع شعلة على حامل ثلاثى نحاسى ، ثم يرى ما يرى .. وبعدها ينفى عن نفسه معرفته بالمستقبل ، باعتباره باطلا ، لا ينبغى له أن يصدقه .. أسلوب ذكى لتحاشى الاتهام بالسحر والهرطقة ، فلو أنه يقصد بالفعل ما يقول ، لما كتب الكتاب ونشره ؛ فأصغر عالم فى الوجود لا يمكن أن يفعل هذا .. وما يتحدث عنه (نوستر اداموس) أشبه بأساليب المتصوفين القدامى.. الخلوة ، والضوء الخافت ، والخشوع، ثم الرؤيا !! ولا أحد يدرى كيف تلى هذه الرؤيا ، ولكن بعض الدارسين يؤكدون أنها كانت تأتيه فى صورة سمعية بصرية ، يعجز هو نفسه عن فهمها واستيعابها ، فيكتفى بوصفها كما رآها وسمعها . 
ودليلهم على هذا تلك الرباعة ، التى وصف فيها معركة جوية ، فى زمن لم يعرف حتى الطائرات الورقية ، والتى قال فيها : سيعتقدون أنهم رأوا الشمس فى قلب الليل عندما يرون الرجل الشبيه بالخنزير .. ضوضاء وصرخات ومعارك تدور فى السماء .. وستسمع المخلوقات الخنزيرية وهى تتحدث . وقبل أن تنفر من الوصف ، لارتباطه بالخنزير ، طالع صورة لطيار مقاتل ، وهو يرتدى قناعة ، وتخيل ما يمكن أن يصف به رجل من القرن السادس عشر هذا !! ولنتوقف لحظة عند الضوضاء والصرخات والمعارك والأضواء فى السماء ، ونقارن هذا كله بصوت الانفجارات والصواريخ ، ووهجها ، وصفير القنابل التى تهبط على الأرض ، ثم تربط كل هذا بأصوات الطيارين ، عبر اتصالاتهم دعنا نلتقط مشهدا من أحد أفلام الحروب ، وعرضه على شخص بدائى ، ولنر كيف يصفه !! إنها عبقرية حقيقية أن يصف شخص من زمن (نوستر اداموس) هذا المشهد المعقد ، بل والمستحيل فى زمنه وأيامه ! 
ولقد استخدم ( نوستر اداموس ) نفس الوصف البدائى ، لتفسير أمور تأتى بعده بمئات السنين ، وهو يتنبأ بمصرع الأخوين (كيندى) ، فى القرن العشرين ، عندما تم اغتيال (جون كنيدى) فى (دالاس)، فى وضح النهار ، برصاصة فى رأسه ، ثم اغتيل شقيقه (روبرت) بعده بخمس ستوات ، وهو يحتفل بانتصاره فى الانتخابات الرئاسية الأولية ، وما أعقب الحالتين من مشكلات علمية، عانت منها (بجلترا) و(فرنسا) و( إيطاليا) .. وفى هذا الشأن ، جاءت رباعية (نوستراداموس) تقول : الرجل العظيم تصرعه صاعقة فى وضح النهار .. فعلة أثيمة ، تنبأ بها الملتمس .. وبعدها سيخر الآخر صريعا فى الليل .. صراع فى ريمس ، ولندن ، ووباء فى توسكانيا . أمر واضح إلى حد مدهش ، ويتجاوز حدود المصادفات إلى ما هو أكثر عمقا .. تماما مثل تلك النبوءة، التى تحدثت عن ضرب (هيروشيما) و(ناجازاكى)، والتى حددت زمنها فلكيا بنهايات النصف الأول من القرن العشرين ، والتى تقول : قرب الميناء ، وفى مدينتين كبيرتين كارثتان تحدثان ، لم ير مثيل لهما قط .. جوع ، طاعون ، وأناس يطرحون خارجا بسيف الحرب ..بكاء وضراعة لله العظيم ؛ للحصول على مساعدات .. والمدينتان تقعان على البحر ، وكلاهما تعرضت لضرب بالقنبلة الذرية ، فى كارثتين لم يعرف التاريخ لهولهما مثيلا ، فى عام ١٩٤٥م. 
مرة أخرى نبوءة مدهشة قوية إلى حد رهيب مثير .. وتنبؤك (نوستر داموس) ليست دقيقة زمنية كما يشيع البعض ، وإنما تتراوح نسبة الإزاحة فيها إلى ما يقرب من عشر سنوات ، سلبا أو إيجايا ، ولكن حتى هذا يضعها فى قائمة المدهشات ، وخاصة عندما تشير فى وضوح إلى أمور لم يكن من الممكن التنبؤ بها سياسيا أو منطقيا ، حتى فى الفترت الملاصقة لها ، مثل نبوءته عن قيام الثورة فى (إيران) ، وقوة تأثير (الخومينى) عليها ، من منفاه فى (فرنسا)، فحتى القيادات السياسية والعسكرية ، فى العالم أجمع ، لم تتوقع أو تتخيل إمكانية نجاح هذا، حتى لحظة حدوثه بالفعل .. وعلى الرغم من هذا ، فقد ذكره (نوستر اداموس) فى كتابه ، قبل خمسة قرون ، وهو يقول فى رباعيته : المطر والحرب والمجاعة لن تتوقف ، فى بلاد فارس .. إيمان عظيم جدا سيخدع الملك ..الأعمال التى تعد فى ( فرنسا) ستنتهى هناك ..علامة خفية لشخص ما ، لكى يتعامل برحمة .. إشارة واضحة لما حدث، على الرغم من غموض الرباعة ككل رباعيات (قرون) التى تحوى دوما شيئا من الحيرة ، فى شطرها الأخير بالتحديد .. 
وغموض رباعيات (نوستر اداموس) ليس المشكلة الوحيدة ، التى تولجه أى دارس لكتابه ونبو ءاته، فالمشكلة الأكبر هى أن تجد نسخة صالحة للدراسة ، والمقصود هنا أن تكون نسخة صحيحة ، غير مزورة أو محورة ، فلأن للتنبؤ تأثيرا هائلا على الناس ، تم استخدام (نوستر اداموس) وكتابه كوسيلة دعائية للحرب النفسية ، منذ أوائل عام ١٦٤٩م عندما قام خصوم الكاردينال (مازاران) بنشر طبعة من (قرون) ، أضافوا إليها رباعيتين ضده ، للحد من نفوذه القوى فى البلاط الفرنسى .. وفى عصر (نابليون) أيضا تم تزوير الرباعات ، بإضافة رباعيات زائفة، أطلق عليها اسم (تنبؤات أوليفاريس) ، وبعدها ظهرت (تنبؤات أورفال) ، وكلتاهما كتابات زائفة ، نسبت دون حق للأشهر (ميشيل دى نوستر اداموس) .. وخلال الحرب العالمية الثانية وحدها ظهرت أكثر من خمس طبعات غير صحيحة من كتاب (نوستر اداموس) ، والمعنى هنا هو أنها قد اقتصرت على ما يفيد أحد الطرفين ، مع تجاهل باقى الرباعيات تماما .. لذا ، فكل دارس للرجل وكتابه ، يسعى للبحث عن أقدم نسخة ممكنة ، ويقارن محتواها بعدة طبعات أخرى ، حتى يتيقن أولا من أنه أمام نسخة حقيقية من كتاب (قرون)، قبل أن يبدأ عمله .. وهذه الدراسة نفسها احتاجت إلى جهد مضن ، لقراءة خمس طبعات من كتاب (نوستر اداموس) ، بثلاث لغات مختلفة ، قبل البدء فى كتابتها .. والوقع أن هذا لم يكن أمرا مرهقا ، بقدر ما كان ممتعا ، وخاصة عندما استقر الأمر على كتاب قديم نسبيا ، تعود طبعاته إلى منتصف السبعينات ، لباحث بذل جهدا حقيقيا فى التحقق من كل رباعية قبل نشرها .. والممتع هنا أن تطالع طبعة من منتصف السبعينات ، ثم تجد فيها إشارات واضحة لأحداث جرت بعد طباعتها بعدة سنوات ، وتقرأ محاولات الباحث المستميتة لتفسيرها ، باعتبارها تنبؤات مستقبلية ، بالنسبة لزمن بحثه .. 
ورباعيات (نوستراداموس) ليست كلها محيرة ، ففى بعضها أسماء وشارات واضحة للغاية ، كتلك الرباعية التى أوردناها فى القسم الأول ، والتى تحدثت عن (هتلر) أو(هسلر) ، أو(هستر)، كما ورد فى طبعات بلغات مختلفة.. وهناك رباعيات مبهرة ، لأنها تحدثت عن أشخاص بعينهم ، وبأسمائهم أيضا ، كتلك الخاصة بلويس باستير ، مكتشف وجود الجراثيم ، والتى تقول : يكتشف المفقود ، المختبئ منذ عدة قرون .. سيحتفل بباستير كرمز لعظمة الإله .. يحدث هذا عندما يتم القمر دورته العظمى .. ولكنه ، ونتيجة لشائعات أخرى ، ستتلوث سمعته . هكذا ، ومباشرة يذكر اسم (باستير) ، الذى جاء بعده بأكثر من ثلاثة قرون ، والذى تحول إلى معجزة علمية ، عندما كشف وجود الجراثيم ، ثم لم يلبث هذا أن أثار غيرة وغضب وحفيظة منافسيه؛ نظرا لاعتبار كشفه - عندئذ - أهم الكشوف فى عالم الطب ، واعتباره الزعيم المعترف به لأكبر حركة علمية كيميائية ، وتأسيس معهده الشهير ، فهاجموا أسلوبه ، ومحاولاته لإنتاج لقاح مضاد لداء الكلب ، مما لوث سمعته فى أواخر أيامه .. 
وفى رباعية أخرى ، أشار إلى (موسولينى)، المعروف فى التاريخ باسم (الدوتشى) ، وإلى خلافاته مع الملك ، ومعاداته للفاتيكان فى ذروة عهد ديكتاتوريته ، على نحو واضح للغاية ، قائلا : سوف يشر الملك على ما يرغب فيه بشدة ..حينما يؤخذ الأسقف بالظلم .. الرد سيغضب الدوتشى بشدة وسيقتل عدة أشخاص فى ميلانو .. ولكن أقوى الرباعيات الواضحة والمباشرة ، هى تلك التى أشارت إلى الجنرال (فرانكو) وأحداث (إسبانيا) .. فهى مدهشة ومثيرة .. 
انتهى الجزء الثالث بحمد الله
ويليه الجزء الرابع بإذن الله 

الرجل الذى رأى الغد (نوستراداموس الجزء الثالث)
منتدى مصطفى شاهين التعليمى

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent