recent
أخبار ساخنة

الزمكان (الجزء الثالث)

فى منتصف الثمانينات ، من القرن العشرين ، خرجت إلينا السينما الأمريكية بسلسلة من أروع وأنجح أفلام الخيال العلمى التى أبدعها المخرج (ستيفن سبيلبيرج) تحت عنوان (العودة إلى المستقبل) .. وفى هذه السلسلة ، كان البطل الشاب (مارتى) يسافر عبر الزمن ، إلى الماضى والمستقبل ، بوساطة سيارة زمنية؛ ليغير طبيعة أسرته ، وينقذ والده ، ثم أبناءه فيما بعد .. ويعود جزء من نجاح الفيلم إلى الإبهار التكنولوجى ولخدع السينمائية المتقنة ، فى حين يعود الجزء الأكبر إلى الفكرة المثيرة ، التى تمنح بشرى فرصة تغيير الأحداث ، مع سفره عبر الزمن .. ومن المؤكد أن كل من شاهد سلسلة الأفلام تلك ، وكل من انبهر بها ، ومن أعجبته وأسدته فكرتها ، قد تعامل مع الأمر باعتباره خيالا محضا .. ولكن المدهش أن هذا ليس رأى العلماء ، فى زمننا هذا .. 
فمنذ سنوات عديدة ، توصل فريق من العلماء إلـى أن الكون يحوى ما يمكننا أن نطلق عليه اسم (الأنفاق الزمنية الدودية) .. وتلك الأنفاق ، التى تحمل اسمها من شكلها ، الذى يبدو أشبه بالدودة، ذات طبيعة خاصة جدا، فكل ما يعبرها يكتسب طاقة سالبة، بحيث يخرج منها فى زمن سابق لتاريخ دخولها.. أو بمضى أدق ، يسافر عبر الزمن إلى الماضى .. وهذا كلام علمى بحت .. إذن ، فبهذا الكشف المدهش ، لم يعد السفر عبر الزمن محض خيال ، وإنما صار حقيقة علمية ، لها ما يؤيدها ويثبتها .. والعلماء يؤمنون ، على نحو ما، بفكرة رؤية الماضى هذه ، وبالذات علماء الفلك ، فندما يرصد أحدهم نجما ، يبعد عنا مائة سنة ضوئية، فهو يعلم أنه إنم يرصد فى الواقع ما كان عليه ذلك النجم، منذ مائة سنة، وليس ما هو عليه الآن بالفعل .. إذن فهو يرصد - عمليا - ماضى ذلك النجم، وليس حاضره .. ولو افترضنا أن ذلك النجم مأهول بحضارة عاقلة ، وأنه لدينا راصد أكثر قوة بآلاف المرات ، فهذا سيفى إذن أننا سنستطيع أن نرصد فى حاضرنا ، كل الأحداث على ذلك النجم ، منذ مائة سنة.. أى أننا سنرصد ماضيه ، وتاريخه .. وهذا ـ مع شىء من المرونة - نوع من السفر عبر الزمن .. ومن الناحية العلمية ، هو سفر عبر الزمان والمكان معا .. أو عبر (الزمكان) .. 


وعندما كشف العلماء أنفاق الزمن الدودية هذه ، ثارت موجة عنيفة من الجدل ، وعاد الحديث مرة أخرى عن السببية ، وعن استحالة انتقال بشرى إلى الماضى ، مهما كانت المبررات العلمية .. وهنا خرجت نظرية أخرى ، لتجعل الأمر أكثر قبولا .. فالمسافر إلى الماضى ، وفقا للنظرية الجديدة، سيسافر كمشاهد ، وليس كمشارك.. أو بمعنى أدق ، سيمكنه رؤية ما حدث فى الماضى، بكل الدقة والتفاصيل ، ولكن كما تشاهد أنت فيلما قديما على شاشة تلفاز حديث .. ولكن لن يكون باستطاعته التدخل فى الأحداث قط .. إنه حتى لن يجد الماضى فى صورة مالية ، بل مجرد صور ضوئية ، لأحداث وقعت وانتهت منذ عشرات ، أو آلاف ، أو حتى ملايين السنين .. ثم إن السفر إلى الماضى ، عبر الأنفاق الزمنية الدودية تلك، هو أمر نظرى فحسب ، إذ إنه من الضرورى أن ينطلق المسافر عبرها، بسرعة تزيد فعطيا على سرعة الضوء ، وهذا مستحيل تماما، حتى بالنسبة للنظرية النسبية الخاصة ، والعامة ايضا .. فوفقا للنظريتين، ستزداد كتلة الجسم، مع زيادة سرعته، حتى ييلغ سرعة الضوء ، وعندئذ ستصبح كتلته لانهائية، مما يعنى أنها ستحتاج أيضا إلى طاقة لانهائية لدفعها .. والأمران مستحيلان تماما .. إذن فلا داعى للقلق والغضب والاعتراض ، إذ إن السفر عبر الزمن قد صار ممكنا نظريا، ومستحيلا عمليا .. ولكن مهلا.. دعونا نستخدم كلمة (كان) ، بدلا من كلمة (صار) هذه .. 
فقبل حتى بداية التسعينات ، من القرن العشرين ، كان الجزء الخاص بسرعة الضوء ، من نظريات (أينشتين) ، التى اعتبرتها السرعة القصوى ، مستحيلة البلوغ ، فى الكون كله ، قد تراجع كثيرا ، مع الكشوف الحديثة .. وأول هذه الكشوف ، كان ظهور أجسام كونية ، تتحرك أسرع من الضوء .. نعم.. إنك لم تخطئ قراءة العبارة ، ولم تخطئ فى تفسيرها .. هناك بالفعل أجسام كونية ، تتحرك بسرعات تفوق سرعة الضوء .. ليس هذا فحسب ، ولكنها لايمكن أن تخفض سرعها أيضا إلى سرعة الضوء أو أقل ، وإلا فنيت وتلاشت عى الفور .. وهذا يضرب نظرية (أينشتين) من جذورها ، فى هذه النقطة بالتحديد .. ولقد جاء كشف تلك الجسيمات الأسرع من الضوء بالمصادفة البحتة ، ولكن العلماء تأكدوا من وجوده ثلاث مرات على الأقل ، قبل أن يعلنوا كشفهم هذا .. ولقد فسر ذلك الكشف بعض الغموض ، الذى أحاط ببعض التسجيلات ، التى لم يمكن فهمها فى الماضى .. بل وتحقق معمليا أيضا ، فى أواخر القرن العشرين ، من خلال تجربة معملية علمية، تم قياسها بالفمتو ثانية ، وبأجزاء من المليون من الثانية .. 
ففى المعمل ، تم إطلاق جسيم دقيق ، بسرعة تفوق سرعة الضوء ، حتى إنه قد بلغ هدفه ، قبل أن ينطلق من مصدره .. ودعنا نعيد العبارة مرة أخرى ، حتى لايتصور أحدكم أنه قد أخطأ قراءتها .. لقد بلغ الجسيم الدقيق (هدفه)، قبل أن ينطلق من (مصدره) .. وبدقة أكثر نستطيع أن نقول إن ذلك الجسيم قد سافر عبر الزمن بالفعل إلى الماضى .. والتجربة نشرتها كل المراجع العلمية ، وأشارت إليها كل الصحف العالمية ، باعتبارها فتحا مذهلا، فى عالم السفر عبر (الزمكان) .. بل هى أول تجربة عملية معملية، يتحقق فيها هذا بوضوح تام، وعلى نحو لا يقبل الجدل أو الشك .. ولكن الواقع أنها ليست أول تجربة فى هذا الشأن على الإطلاق.. المهم أن تلك التجربة قد أعادت فتح باب التساؤل المهم ، المثار طوال ما يقرب من قرن كامل من الزمان .. هل السفر عبر الزمن حقيقة أم خيال ؟! هل يمكن أن يأتى وقت ، يتمكن فيه البشر من السفر عبر الزمن ، إلى الماضى أو المستقبل ، كما أشارت قصة (ويلز) ، فى أواخر القرن الماضى ؟! أعنى هل يمكن أن يتحقق هذا فعليا وعمليا ؟! 
ولأن التساؤل ظل مطروحا، فجهود العلماء ظلت مستمرة أيضا .. وفى ثلاث قارات على الأقل ، راحت فرق من العلماء تسعى جاهدة، وتعمل ليل نهار؛ للتوصل إلى جواب السؤال الأزلي .. ومع الجهود ، ظهرت حلول رياضية عديدة؛ للتغلب على صعوبات ، أو فلنقل مستحيلات السفر عبر الزمن ، من خلال الأنفاق الزمنية الدودية .. ومن أشهر تلك الحلول ، وصف وضعه العلماء لمادة خاصة ، يمكن أن نطلى بها جدران أنفاق الزمن الدودية، بحيث توقف كل تأثيراتها العيفة ، على أى شئء ينطلق عبرها.. ووفقا للنظرية ، ولكل المعادلات الرياضية والفيزيقية ، أصبح عبور تلك الأنفاق الزمنية الدودية ممكنا ، بعد طلاء جدرانها بتلك المادة .. ففى تلك الحالة ، تنتفى الطاقة السلبية داخلها ، ولايحتاج عبورها إلى تلك السرعات الفائقة جدا، والتى تتجاوز سرعة الضوء .. 
كل شىء سيصبح مثاليا، مع مشكلة واحدة بسيطة .. أن تلك المادة لاوجود لها على الإطلاق .. ليس فى الماضى، أو الحاضر.. أو حتى المستقبل القريب .. باختصار ، تلك المادة مجرد فرضية علمية ، ولايوجد شبيه لها على كوكب الأرض كله، بل ولاتوجد حتى وسيلة علمية أو تكنولوجية، أو تقنية، تتيح صنعها ، أو صنع أى بديل مناسب لها .. ولاتجعل هذا يزعجك أو يخنقك ، فكل العلوم والنظريات المدهشة التى غيرت تاريخ الأرض ومسار العلم ، بدأت هكذا.. مجرد فرضية جدلية، تتحول إلى مجموعة من المعدلات الرياضية ، ثم إلى حقيقة واقعة، بجهود وعقول علماء آخرين .. لذا فقد راجع العلماء أوراقهم ، بحثا عن فكرة جديدة ، أو آثار فكرة قديمة ، تتيح لهم فرصة السفر عبر الزمن .. وهنا كانت أمامهم مفاجأة .. مفاجأة لم تخطر ببالهم .. أبدا.. 

انتهى الجزء الثالث بحمد الله 
ويليه الجزء الرابع والأخير بإذن الله 
الزمكان (الجزء الثالث)
منتدى مصطفى شاهين التعليمى

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent