recent
أخبار ساخنة

الزمكان (الجزء الثانى)

عندما فجر ( أينشتين) مصطلح ( الزمكان) ، فى نظريته النسبية ، كان السفر عبر الزمان والمكان مجرد حلم مستحيل ، وخيال جامح غير منطقى .. ولكن ( أينشتين) وضع أمامنا معلومة علمية جديدة مثيرة للغاية ، وأطلق عليها اسم (تمدد الزمن) .. وفى نظرية (أينشتين) ، نجد أنه لو سافر رائد فضاء، فى مركبة تنطلق بسرعة الضوء، إلى نجم ييعد عنا سنة ضوئية واحدة ، ثم عاد إلى الأرض ، فسيجد أن العامين ، اللذين قضاهما فى رحلته ، قد أصبحا نصف قرن من زمن الأرض .. وبمعنى أكثر وضوحا ، لو أن لذلك الرائد شقيق توءم ، بقى علـى الأرض ، وودع شقيقه ، وكلاهما فى العشرين من العمر ، عند بدء تلك الرحلة الخرافية ، فسيعود الأول من رحلته، وهو فى الثانية والعشرين من عمره ، ليجد توءمه فى السبعين من العمر !!! والتفسير الذى وضعه نظرية (أينشتين) لهذا ، هو أن عقارب الساعة سترتبط بالزمن الذى تنطلق به سفينة الفضاء، أى أنها ستسير بنفس السرعة ، فى حين أن الساعة الثابتة على الأرض ، ستتوافق مع سرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس فحسب .. ولو أردت نصيحتى ، فلا ترهق ذهنك فى محاولة فهم واستيعاب هذا الأمر المعقد ، فقد أثبته العلماء رياضيا وعمليا ، خلال قرن من الزمان ، ويكفينا أن نمنحهم ثقتنا فحسب ، كما منحناها لكل النظريات العلمية الأخرى ، فى كل المجالات .. 




المهم أن هذه الفرضية كانت أول إشارة إلى السفر عبر الزمان والمكان ، أو عبر الزمكان كما أسماه ( أينشتين) .. ولكن نظريته أشارت أيضا إلى أمر آخر ، اعتبره العلماء أكثر أهمية وخطورة بكثير ، فى عملية السفر عبر (الزمكان) . إلى الثقوب السوداء .. ومصطلح (الثقوب السوداء) هذا مصطلح حديث نسبيا؛ فأول من استخدمه هو الفلكى الأمريكى (جون هويلر) ، عام ١٩٦٩ م، ليصف به نظرية قديمة ، تعود إلى أكثر من قرنين من الزمان .. وبالتحديد إلى عام ١٧٩٣ م.. ففى ذلك الزمن، نشر (جون ميتشل) ، الجيولوجى ، ورئيس جامعة كمبردج، بحثا جديدا، أشار فيه إلى أن بعض النجوم لها كثافة عالية جدا، مما يمنحها قوة جذب هائلة ، تمنع الضوء نفسه من الفرار منها ، مما يجعلها تبدو أشبه بفراغات سوداء ، بالنسبة لأى شخص يحاول رصد الكون .. 
ولقد اكتفى (جون ميتشل) بقوله هذا، ولم يحاول التوغل فى الأمر أكثر ، ربما لقلة المعلومات الفلكية المتاحة فى عصره ، أو لنقص الإمكانيات العلمية حينذاك .. ثم جاءت النظرية النسبية ، لتحمل إلينا مبدأ علميا جديدا، وهو أن الضوء لايسير فى خطوط مستقيمة، كما كنا نتصور ، بل إنه ينحنى، عندما يمر إلى جوار نجم عالى الكثافة . وعندما تبلغ كثافة النجم أقصاها ، فإن الفضاء نفسه يتحدب حوله، مما يجذب الضوء إليه فى عنف ، على نحو لايسمح له بالإفلات من جاذبيته الشديدة ، فيبتلعه النجم فى شراهة مالها من مثيل .. 
ولأن الضوء يفشل فى الإفلات من الجاذبية الهائلة فهو لا يصلنا قط ، لذا فكل ما نراه هو ثقب أسود ، يختلف حجمه من مكان إلى آخر .. ولو أردت أن تفهم فكرة الثقوب السوداء أكثر وأكثر ، راقب مصفاة حوض المطبخ .. ولاداعى للضحك والسخرية هنا، قلو أنك ملأت الحوض عن آخره بالماء ، ثم سحبت سدادة المصفاة، فستراها تبتلع المياه فى سرعة وقوة .. هذا بالضبط ما يفعله الثقب الأسود بما حوله، بافتراض وجود مصدر دائم للمياه، يغذى الحوض ، وجهاز شفط قوى فى قلب المصفاة .. ولقد جذبت الثقوب السوداء انتباه واهتمام العلماء لسنوات وسنوات ، كظاهرة مثيرة فى الفضاء الكونى ، قبل أن تخرج نظرية مدهشة جديدة .. نظرية تقول: إن ماتجذبه الثقوب السوداء إليها ، وماتبتلعه فى مركزها بلاهوادة ، لايفنى أو يتلاشى دلخلها، وبما يعبرها إلى نفق ذى اتجاه واحد ، ليخرج من نهايته، عبر ثقب أبيض كبير ، فى عالم آخر .. أو مكان آخر .. 




وكانت هذه النظرية أشبه بقنبلة علمية ، تفجرت بمنتهى العنف ، فى كل الأوساط .. فالنظرية تعنى، وبكل حسم، أن عبور ثقب أسود ، سينقلنا عبر الزمان والمكان إلى بقعة أخرى فى الكون .. بقعة ربما تبعد آلاف ، بل ملايين السنوات الضوئية . وهذه طفرة علمية واتصالية على كل المستويات .. سفينة الفضاء ، التى تنطلق نحو ثقب أسود ، وتخترقه ، ستنتقل عبر الزمان والمكان إلى مناطق أخرى بعيدة .. بعيدة جدا . إلى مجرات وأكوان لايمكننا حتى أن نرصدها، قبل مرور ملايين السنين على فنائها .. وقوة هذه النظرية تكمن فى أنها الحل الأكيد والمدهش ، للسفر إلى النجوم البعدة جدا جدا ، فى هذا الكون اللانهائى .. 
وأول ما سيتبادر إلى الأذهان الآن ، هو : مادام العلماء قد توصلوا إلى هذا، فلماذا لم يرسلوا رحلات إلى هذه النجوم البعيدة جدا ؟! والجواب بسيط للغاية ، ويكمن فى ثلاث نقاط رئيسية .. أولها أن ما بلغناه من تقدم تكنولوجى وصناعى، لايكفى بعد لإنتاج سفينة الفضاء القوية، التى يمكنها بلوغ ثقب أسود ، واختراقه أيضا ، لأن هذا يحتاج إلى طاقة هائلة ، قدرها العلماء بمليون ضعف لما تستهلكه لولايات المتحدة الأمريكية كلها من الطاقة ، طوال عام كامل .. وليس من الضرورى أن نؤكد هنا أن الحصول على مثل هذه الطاقة مازال مستحيلا بكل المقابيس ، فى زمننا هذا .. والنقطة الثانية، هى أن العلماء لايمكنهم، حتى هذه اللحظة ، تحديد المكان اللذى ستنتقل إليه سفينة الفضاء الخيالية تلك ، عبر الكون الفسيح ، فعلى الرغم من قدرتهم على تحديد مواقع بعض الثقوب البيضاء بالفعل ، إلا أن أحدا لايمكنه قط تحديد أيها سيكون مخرجا لأى ثقب أسود فى الكون .. والنقطة الثالثة ترتبط تماما بالثانية ، فالسفينة التى ستعبر الثقب الأسود ، لتبرز فى مكان ما من الكون ، لن يمكنها إجراء أية اتصالات بالأرض ، منذ وصولها إلى مجال جاذبية الثقب الأسود، حيث لن تنجح أية إشارات فى الإفلات من جاذبيته الرهيية ، مهما بلفت قوتها .. وعندما تصل السفينة إلى المخرج، سيبعد موقعه عن أرضنا بآلاف ، وربما ملايين السنوات الضوئية ، وأية إشارة أو معلومات ترسلها ، من موقعها هذا ، ستحتاج إلى آلاف أو ملايين السنين ، لنلتقطها على أرضنا .. 




وحتى لو افترضنا أننا نعلم بالضبط الموقع الذى ستخرج منه السفينة الوهمية ، وأننا قد ركزنا كل مناظيرنا ومراصدنا الفلكية نحوه، وأنه يبعد عنا مليون سنة ضوئية فحسب، فهذا يعنى أننا سنرصد السفينة بعد وصولها بمليون سنة ، وهو الزمن الذى تستغرقه صورتها ، للوصول إلينا بسرعة الضوء .. هل رأيتم كيف يستحيل هذا ، لأكثر من سبب ؟! ولكن ما ترونه أنتم لم يحبط العلماء ، بل شحذ عقولهم ، وفجر خيالاتهم وطاقاتهم، ودفعهم للبحث عن حلول منطقية وعلمية لهذه المشكلة .. 
وفى البداية ، جاء الحل بسيطا للغاية .. فعندما تصل سفينة الفضاء الوهمية إلى هدفها ، سيكون عليها أن تبدأ مهامها بالبحث عن ثقب أسود آخر ، قريب من موقع هبوطها ، ينتهى بثقب أبيض ، قريب من أرضنا .. بمعنى أبسط وأدق، البحث عن طريق للعودة ، مماثل لطريق الذهاب .. وغير طريق العودة هذا ، يمكن لسفينة الفضاء الوهمية أن ترسل إشاراتها إلى الأرض ، وأن تروى للمتابعين كل ما وجدته، ورأته ، وخبرته، فى رحلتها الفريدة هذه .. فى هذه الحالة ، ستبلغ الإشارة أرضنا ، فى نفس الوقت الذى استغرقته السفينة فى رحلتها تقرييا ، وليس الوقت الفعلى ، الذى يفصلنا عنها .. 
وهذه صورة مثلى للسفر عبر (الزمكان) .. صورة أرضت فريقا من العلماء، وثلجت صدره، وجعلته يسترخى، متصورا أن الحل قد جاء على طبق من العيقرية .. ولكن فريفا آخر لم يرض بهذا الحل أيـدا ، وقال إنه يحوى مجموعة من افتراضات ، لايمكن التأكد منها قط، فماذا لو لم تجد سفينة الفضاء الوهمية ثقبا أسود عكسيا ؟! بل وماذا يضمن أن تصل السفينة إلى منطقة تحوى ثقوبا سوداء من الأساس ؟! وماذا أيضا لو افترضنا أن الثقوب السوداء ، فى منطقة الهبوط ، ستقود إلى مناطق أبعد وأبعد ، فى الكون السرمدى ؟! 
وفى الوقت الذى تناحر فيه الجانبان ، وكل فريق يسعى لتأكيد وإثبات وجهة نظره ، برز فريق ثالث بكشف مذهل .. كشف قلب كل المقاييس والموازين رأسا على عقب .. وبمنتهى القوة . 

انتهى الجزء الثانى بحمد الله  
ويليه الجزء الثالث بإذن الله 
الزمكان (الجزء الثانى)
منتدى مصطفى شاهين التعليمى

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent