فى جنوب شرق الجمهورية الجزائرية ، تنتشر مجموعة من الكهوف ، فى مرتفعات (تاسيلى)، وتستقر هناك ، منذ آلاف وفى عام ١٩٣٨ م، وفى أثناء رحلة استكشافية، يقودها الرحلة الشهير (برنبان) ، تم اقتحام تلك الكهوف ، ريما لأول مرة ، ليجد أمامه ، هو وفريقه ، مفاجأة مذهلة.. فعلى جدران أول كهف اقتحموه ، كانت هناك نقوشا ورسوما عجيبة لمخلوقات بشرية (أوشبه بشرية) تطير فى السماء ، وترتدى أجهزة طيران مثيرة للغاية ، ونقوش أخرى لسفن فضاء ، أو لما بدا وكأنه سفن فضاء، وهناك رسوم لرجال ونساء ، يرتدون الثياب الحديثة ، ويحملون المظلات ، ورسوم أخرى لضفادع بشرية ، تحت سطح الماء ، فى أزياء فضائية .. واتسعت عيون الكل فى ذهول مبهور ، و(فركوها ) مرة.. ومرة، ومرات ، قبل أن يتأكدوا من أن ما يرونه حقيقى ، ثم اكتفوا بعدها برصد الأمر ، ونقل النقوش والرسوم إلى أوراقهم ، دون أن يدلو بدلوهم فى شأنها ، باعتبار أنهم مجرد رحالة، وليسوا من علماء الآثار أو الجيولوجيا.. وعلى الرغم من ان (برنبان ) قد نشر مقالا عن كشفه هذا ، فى واحدة من المجلات العلمية والكشفية الشهيرة إلا أن أحدا لم يوله الاهتمام الكافى ، أو يعبر الأمر خارقا للمعتاد.. بل لقد بلغ الأمر بالبض أن تصوروا أن ما عثر علية (برنبان) مجرد نقوش ورسوم حديثة ، لأصابع صبيانية عابثة ، فى أثناء رحلة كشفية ، أو حتى رحلة لهو معتادة ..
ثم جاء الرحالة (هنرى لوت) ، عام ١٩٥٦، وجذبته كهوف (تاسيلى) إليها ، فزارها حاملا معدات التصوير ، التى التقط بها مئات ومئات الصور لكل النقوش والرسوم . وعندما طالع الخبراء تلك الصور ، شاب شعر رءوسهم ، من فرط الرهبة والانبهار .. فالتقدير الأولى ، لعمر تلك الرسوم ، بناء على الصور ، كان ما يقرب من عشرة آلاف سنة!! واندفع العلماء والباحثون إلى كهوف (تاسيلى) ، وقد جرفهم الحماس جرفا، وراحوا يفحصون النقوش والرسوم عن قرب ، ويجرون عليها اختباراتهم العلمية ، والكربونية ، و ... وجاءت النتانج مذهلة .. فالاختبارات كلها قد أجمعت ، على أن العمر الفعلى لتلك النقوش ، هو سبعة عشر ألف عام .. مئة وسبعون قرنا من الزمان ، حملت إلينا نقوشا ، تكسب ، أو ربما تفوق العصر ، الذى تم كشفها فيه ! ويا له من لغز! لغز عجيب ، رهيب، حمل لسنوات وسنوات اسم (لغز كهوف تاسيلى) ، حتى ظهرت تلك النظرية، التى تقول : إن ( أطلانطس) كانت تستقر فى ذلك المكان ، وغرقت فى رمال الصحراء ..
عندئذ فقط ، اتخذ لغز كهوف (تاسيلى) أبعادا جديدة .. فمن وجهة نظر المؤيدين للنظرية، كان أصحاب تلك النقوش هم الذين نجوا من دمار ( أطلانطس ) ، والذين لم يجدوا أمامهم ، بعد فنتاء حضارتهم ، سوى أن يتركوا لنا نقوشا غائرة ، لا يمحوها الزمن ، ليخبرونا بقصتهم .. وليحذرونا منها أيضا .. فمع ربط (أطلانطس) بتلك النقوش القديمة ، و(المتقدمة جدا) ، تطورت قصة دمار (أطلانطس) ، فى النظريات المستحدثة ، وارتبطت بالتأثيرات التى شهدها العالم، منذ سنوات قليلة ـ آنذاك - لتصبح لدينة قصة جديدة تماما .. ونظرية مختلفة تمام الاختلاف.. فما دام سكان (أطلاطس) كنوا متقدمين إلى هذه الدرجة، كما تقول نقوش كهوف ( تاسيلى ) فهذا يعنى أن فناء قارتهم لم يكن بسبب سلسلة من الكوارث الطبيعية المتتالية، كما قال (لويس سبنس) ، مؤيدا (إيجنا تيوس دونيللى) ، وإنما كان كما وصفه ( أفلاطون ) تماما ، فى محاورتيه الشهيرتين .. لقد فنت (أطلانطس) فى يوم وليلة .. فنت بواسطة انفجار ذرى رهيب ، أو طاقة أخرى أكثر قوة ، لم نتوصل إليها فى حضارتنا بعد !! ويا لها من نظرية!
لقد قلبت الأمور كلها رأسا على عقب ، ومزجت كل شيء ببعضه وخرجت إلينا بنتيجة عجيبة ، شديدة التوتر والتعقيد ، إلـى ولكن كيف يمكن أن نؤيد (أفلاطون) فى جزء من قصته ، ثم نخالفه ، وبمنتهى الشدة ، فى أجزاء أخرى منها ؟! فقصة (أطلانطس) تبدأ مع حصول (بوسيدون) ، إله البحر والزلازل ، على قارة (أطلانطس) ، عندما تم توزيع الأرض على الآلهة .. كيف يمكن إذن أن يمنح مفكر كبير مثل (أفلاطون) ، قطعة من الصحراء ، بين (ليبيا) و(الجزائر) ، لإله البحر ؟! كيف يمكن أن يبدو له هذا منطقيا ، بأى حال من الأحوال ؟! كيف ؟!
من الواضح جدا أن ( أفلاطون) لم يكن يقصد الصحراء ، من قريب أو بعيد ، عندما ذكر قصة (أطلانطس) .. ولكن ربما اختلط الأمر على (كريتياس) نفسه ، الذى انتقلت إليه القصة عبر جيلين من البشر ، بدءا من جده (صولون) ، الذى نقلها على لسان كهنة قدماء المصريين ، والذين تناقلوها بدورهم ، عبر عدة آلاف من السنين .. كانت هناك إذن ألف فرصة وفرصة ، لتتحور الأمور ، وتتغير ، وتتبدل ، لتصبح الصحراء محيطا ، من رواية إلى أخرى ،عبر قرون وقرون وقرون .. هذا ما يؤكده مؤيدو نظرية الصحراء.. وما يسخر منه مؤيدو نظرية الغرق فى المحيط الأطلنطى ، وعلى رأسهم (تشارلز بيرلتنز) ، الذى تساءل ، فى شىء من السخرية ، امتزج ببعض الغضب والحدة: «لو أن ( أطلانطس) ظهرت واندثرت فى قلب صحراء (إفريقيا) ، فما الذى عثر عليه هو وفريقه ، فى أعاق المحيط الأطلنطى ؟!» كل جانب أصبحت له حججه القوية ، ودلائله المتينة ، واعتراضاته الحارة الحاسمة ، دون أن يتفوق الجانبان ، أو حتى يتقاربا ، حتى لحظة كتابة هذه السطور .. وبقيت الأسطورة .. بقيت (أطلانطس) ..
بقيت كأكبر لغز حضارى ، واجه العلماء فى عصر بلغت فيه التكنولوجيا أوجها ، وبلغت فيه تقنية البحث حدا لم تبلغه قط ، أو حتى تقترب منه ، عبر التاريخ كله .. التاريخ الذى نعرفه بالطبع .. الشيء الجيد هو أن محاولات البحث عن أدلة وجود (أطلانطس) لم تتوقف لحظة واحدة ، ولن تفتقر قط إلى التمويل الكافى ، والحماس اللازم ، أو التقنية المتاحة .. فالآن ، ومع بدايات القرن الحادى والشرين تجوب أعماق المحيط الأطلنطى غواصات تجريبية نووية ، يمكنها أن تصل إلى أعماق ، لم يبلغها بشر من قبل ، ولم يكن من الممكن أن تحتملها أية مركبة فى الماضى .. وهناك وسائل فحص الأعماق ، وأعمق الأعماق ، بالأشعة السينية، وموجات السونار المتفوقة ، والأشعة دون الحمراء ، وحتى بالأشعة الكونية ، التى تسقط على أرضنا فى الفضاء ..
وقديما ، كان العثور على السفينة الغارقة (تايتانيك) يعد دربا من الخيال المستحيل ، إلا أن المكتشفين قد نجحوا فى العشور عليها ، وفى استخراج الثروات التى كانت تحملها أيضا .. فهل يمكن أن يحدث هذا مع (أطلانطس) أيضا ؟! هل يمكن أن يأتى يوم ، ينتشل فيه الطماء نقاضها من قاع المحيط ، أو ينتشلونها من بين الرمال ، كما فعلوا من قبل ، مع (طروادة ) و(قصر التيه) و(ديلمون) وغيرهم . لو حدث هذا ستكون لحظة تاريخية بحق ، ونقطة تحول هائلة ، فى تاريخ العالم كله .. ففى لحظة الشور عليها ، ستنتقل (أطلاتطس) من عالم الغموض والخيال إلى عالم الواقع والحقيقة ، وستنمحى تماما تلك الأسطورة الرائعة ، التى ألهبت العقول ، وخلبت الألباب ، وأرجفت القلوب ، لعدة قرون من الزمان .. أسطورة القارة المفقودة .. أطلانطس
تمت بحمد لله
إلى اللقاء مع عمل جديد (الزمكان)