recent
أخبار ساخنة

أسطورة أطلانطس بين الحقيقة والخيال (الجزء السادس)

فى جنوب شرق الجمهورية الجزائرية ، تنتشر مجموعة من الكهوف ، فى مرتفعات (تاسيلى)، وتستقر هناك ، منذ آلاف وفى عام ١٩٣٨ م، وفى أثناء رحلة استكشافية، يقودها الرحلة الشهير (برنبان) ، تم اقتحام تلك الكهوف ، ريما لأول مرة ، ليجد أمامه ، هو وفريقه ، مفاجأة مذهلة.. فعلى جدران أول كهف اقتحموه ، كانت هناك نقوشا ورسوما عجيبة لمخلوقات بشرية (أوشبه بشرية) تطير فى السماء ، وترتدى أجهزة طيران مثيرة للغاية ، ونقوش أخرى لسفن فضاء ، أو لما بدا وكأنه سفن فضاء، وهناك رسوم لرجال ونساء ، يرتدون الثياب الحديثة ، ويحملون المظلات ، ورسوم أخرى لضفادع بشرية ، تحت سطح الماء ، فى أزياء فضائية .. واتسعت عيون الكل فى ذهول مبهور ، و(فركوها ) مرة.. ومرة، ومرات ، قبل أن يتأكدوا من أن ما يرونه حقيقى ، ثم اكتفوا بعدها برصد الأمر ، ونقل النقوش والرسوم إلى أوراقهم ، دون أن يدلو بدلوهم فى شأنها ، باعتبار أنهم مجرد رحالة، وليسوا من علماء الآثار أو الجيولوجيا.. وعلى الرغم من ان (برنبان ) قد نشر مقالا عن كشفه هذا ، فى واحدة من المجلات العلمية والكشفية الشهيرة إلا أن أحدا لم يوله الاهتمام الكافى ، أو يعبر الأمر خارقا للمعتاد.. بل لقد بلغ الأمر بالبض أن تصوروا أن ما عثر علية (برنبان) مجرد نقوش ورسوم حديثة ، لأصابع صبيانية عابثة ، فى أثناء رحلة كشفية ، أو حتى رحلة لهو معتادة ..




 ثم جاء الرحالة (هنرى لوت) ، عام ١٩٥٦، وجذبته كهوف (تاسيلى) إليها ، فزارها حاملا معدات التصوير ، التى التقط بها مئات ومئات الصور لكل النقوش والرسوم . وعندما طالع الخبراء تلك الصور ، شاب شعر رءوسهم ، من فرط الرهبة والانبهار .. فالتقدير الأولى ، لعمر تلك الرسوم ، بناء على الصور ، كان ما يقرب من عشرة آلاف سنة!! واندفع العلماء والباحثون إلى كهوف (تاسيلى) ، وقد جرفهم الحماس جرفا، وراحوا يفحصون النقوش والرسوم عن قرب ، ويجرون عليها اختباراتهم العلمية ، والكربونية ، و ... وجاءت النتانج مذهلة .. فالاختبارات كلها قد أجمعت ، على أن العمر الفعلى لتلك النقوش ، هو سبعة عشر ألف عام .. مئة وسبعون قرنا من الزمان ، حملت إلينا نقوشا ، تكسب ، أو ربما تفوق العصر ، الذى تم كشفها فيه ! ويا له من لغز! لغز عجيب ، رهيب، حمل لسنوات وسنوات اسم (لغز كهوف تاسيلى) ، حتى ظهرت تلك النظرية، التى تقول : إن ( أطلانطس) كانت تستقر فى ذلك المكان ، وغرقت فى رمال الصحراء .. 
عندئذ فقط ، اتخذ لغز كهوف (تاسيلى) أبعادا جديدة .. فمن وجهة نظر المؤيدين للنظرية، كان أصحاب تلك النقوش هم الذين نجوا من دمار ( أطلانطس ) ، والذين لم يجدوا أمامهم ، بعد فنتاء حضارتهم ، سوى أن يتركوا لنا نقوشا غائرة ، لا يمحوها الزمن ، ليخبرونا بقصتهم .. وليحذرونا منها أيضا .. فمع ربط (أطلانطس) بتلك النقوش القديمة ، و(المتقدمة جدا) ، تطورت قصة دمار (أطلانطس) ، فى النظريات المستحدثة ، وارتبطت بالتأثيرات التى شهدها العالم، منذ سنوات قليلة ـ آنذاك - لتصبح لدينة قصة جديدة تماما .. ونظرية مختلفة تمام الاختلاف.. فما دام سكان (أطلاطس) كنوا متقدمين إلى هذه الدرجة، كما تقول نقوش كهوف ( تاسيلى ) فهذا يعنى أن فناء قارتهم لم يكن بسبب سلسلة من الكوارث الطبيعية المتتالية، كما قال (لويس سبنس) ، مؤيدا (إيجنا تيوس دونيللى) ، وإنما كان كما وصفه ( أفلاطون ) تماما ، فى محاورتيه الشهيرتين .. لقد فنت (أطلانطس) فى يوم وليلة .. فنت بواسطة انفجار ذرى رهيب ، أو طاقة أخرى أكثر قوة ، لم نتوصل إليها فى حضارتنا بعد !! ويا لها من نظرية! 
لقد قلبت الأمور كلها رأسا على عقب ، ومزجت كل شيء ببعضه وخرجت إلينا بنتيجة عجيبة ، شديدة التوتر والتعقيد ، إلـى ولكن كيف يمكن أن نؤيد (أفلاطون) فى جزء من قصته ، ثم نخالفه ، وبمنتهى الشدة ، فى أجزاء أخرى منها ؟! فقصة (أطلانطس) تبدأ مع حصول (بوسيدون) ، إله البحر والزلازل ، على قارة (أطلانطس) ، عندما تم توزيع الأرض على الآلهة .. كيف يمكن إذن أن يمنح مفكر كبير مثل (أفلاطون) ، قطعة من الصحراء ، بين (ليبيا) و(الجزائر) ، لإله البحر ؟! كيف يمكن أن يبدو له هذا منطقيا ، بأى حال من الأحوال ؟! كيف ؟! 
من الواضح جدا أن ( أفلاطون) لم يكن يقصد الصحراء ، من قريب أو بعيد ، عندما ذكر قصة (أطلانطس) .. ولكن ربما اختلط الأمر على (كريتياس) نفسه ، الذى انتقلت إليه القصة عبر جيلين من البشر ، بدءا من جده (صولون) ، الذى نقلها على لسان كهنة قدماء المصريين ، والذين تناقلوها بدورهم ، عبر عدة آلاف من السنين .. كانت هناك إذن ألف فرصة وفرصة ، لتتحور الأمور ، وتتغير ، وتتبدل ، لتصبح الصحراء محيطا ، من رواية إلى أخرى ،عبر قرون وقرون وقرون .. هذا ما يؤكده مؤيدو نظرية الصحراء.. وما يسخر منه مؤيدو نظرية الغرق فى المحيط الأطلنطى ، وعلى رأسهم (تشارلز بيرلتنز) ، الذى تساءل ، فى شىء من السخرية ، امتزج ببعض الغضب والحدة: «لو أن ( أطلانطس) ظهرت واندثرت فى قلب صحراء (إفريقيا) ، فما الذى عثر عليه هو وفريقه ، فى أعاق المحيط الأطلنطى ؟!» كل جانب أصبحت له حججه القوية ، ودلائله المتينة ، واعتراضاته الحارة الحاسمة ، دون أن يتفوق الجانبان ، أو حتى يتقاربا ، حتى لحظة كتابة هذه السطور .. وبقيت الأسطورة .. بقيت (أطلانطس) .. 




بقيت كأكبر لغز حضارى ، واجه العلماء فى عصر بلغت فيه التكنولوجيا أوجها ، وبلغت فيه تقنية البحث حدا لم تبلغه قط ، أو حتى تقترب منه ، عبر التاريخ كله .. التاريخ الذى نعرفه بالطبع .. الشيء الجيد هو أن محاولات البحث عن أدلة وجود (أطلانطس) لم تتوقف لحظة واحدة ، ولن تفتقر قط إلى التمويل الكافى ، والحماس اللازم ، أو التقنية المتاحة .. فالآن ، ومع بدايات القرن الحادى والشرين تجوب أعماق المحيط الأطلنطى غواصات تجريبية نووية ، يمكنها أن تصل إلى أعماق ، لم يبلغها بشر من قبل ، ولم يكن من الممكن أن تحتملها أية مركبة فى الماضى .. وهناك وسائل فحص الأعماق ، وأعمق الأعماق ، بالأشعة السينية، وموجات السونار المتفوقة ، والأشعة دون الحمراء ، وحتى بالأشعة الكونية ، التى تسقط على أرضنا فى الفضاء .. 
وقديما ، كان العثور على السفينة الغارقة (تايتانيك) يعد دربا من الخيال المستحيل ، إلا أن المكتشفين قد نجحوا فى العشور عليها ، وفى استخراج الثروات التى كانت تحملها أيضا .. فهل يمكن أن يحدث هذا مع (أطلانطس) أيضا ؟! هل يمكن أن يأتى يوم ، ينتشل فيه الطماء نقاضها من قاع المحيط ، أو ينتشلونها من بين الرمال ، كما فعلوا من قبل ، مع (طروادة ) و(قصر التيه) و(ديلمون) وغيرهم . لو حدث هذا ستكون لحظة تاريخية بحق ، ونقطة تحول هائلة ، فى تاريخ العالم كله .. ففى لحظة الشور عليها ، ستنتقل (أطلاتطس) من عالم الغموض والخيال إلى عالم الواقع والحقيقة ، وستنمحى تماما تلك الأسطورة الرائعة ، التى ألهبت العقول ، وخلبت الألباب ، وأرجفت القلوب ، لعدة قرون من الزمان .. أسطورة القارة المفقودة .. أطلانطس
تمت بحمد لله 
إلى اللقاء مع عمل جديد (الزمكان) 
أسطورة أطلانطس بين الحقيقة والخيال (الجزء السادس)
منتدى مصطفى شاهين التعليمى

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent