ذات صباح دافئ ، من شتاء عام ١٧٩٩ م ، وبمصادفة رتبها القدر حتما ، أثناء الحملة الفرنسية على (مصر)، عثر جندى فرنسى على حجر فى مدينة (رشيد) المصرية، يعتبره علماء الأثار ، حتى يومنا هذا، أعظم كشوف القرن على الإطلاق ..
فذلك الحجر ، الذى أطلقوا عليه اسم (حجر رشيد) ، والذى هو من مادة البازلت ، كان يحوى كتابات بثلاث لغات.. اليونانية القديمة ، والقبطية أو الديموطيقية ، والهيروغليفية.. وتعود الأهمية الأثرية البالغة لهذا الحجر ، إلى أنه حتى كشفه ، كانت الهيروغليفية ، بالنسبة للعائم كله، مجرد نقوش منظمة ، يسعى العلماء لاستنتاج أو استنباط ما تعنيه ، دون أن يتمكنوا من حل رموزها ، أو تحديد منطوقها ، بأى حال من الأحوال .. وعندما تم كشف (حجر رشيد) ، وجد الأثريون أن الكتابة اليونانية ، هى ترجمة أمينة ودقيقة للكتابة الديموطيقية، الموجودة على وجه آخر منه .. وكان هذا يعنى ، من باب المنطق ، أن الكتابة الهيرو غليفية ، هى أيضا ترجمة أمينة ودقيقة للنص نفسه.. وعلى الرغم من أن وسائل الاتصال كانت ضعيفة للغاية ، فى نلك الزمن، مقارنة لما أصبحت عليه، بعد قرن واحد من الزمان ، وليس فى عصرنا الحالى بالطبع ، والذى حدث فيه تطور مدهش ، فى نظم ووسائل الاتصال فى الفترة بين مقدمة المقال ، وهذه السطور ، فقد طار الخبر إلى ( أوروبا) كلها ، فانتط علماؤها ، والتهب حماسهم ، والتهبت عقولهم ، وهم يجدون أمامهم فرصة نادرة ، لكشف أسرار وغوامض اللغة الهيروغليفية ، مع كل ما قد يحمله هذا من كشف لتاريخ (مصر) القديمة ، وفراعنتها ، وعلومها ، وأسرارها الخفية ، التى لم يصل العلم الحديث ، إلى بعضها ، حتى لحظتنا هذه ..
ولأن ( نابليون بونابرت) ، الذى كانت حملته تحتل (مصر) ، فى ذلك الحين ، كان مغرما بالعلم والعلوم ، ويرغب دوما فى أن يرتبط عصره بالكشوف العظيمة ، فى كل المجالات ، فقد سارع بنقل الحجر إلى (باريس)، حتى تتم دراسته ، على أيدى الخبراء هناك .. وبكل شغف ولهفة الدنيا، أقبل العلماء على فحص الحجر ، وتدوين ما عليه من كتابات ونقوش ، ثم راحوا يدرسون ، ويفحصون ، ويمحصون ، و......... وييئسون أيضا .. فالأمر لم يكن أبدا بالسهولة ، التى أوحى بها الأمر منذ البداية .. فلا أحد منهم كان يعلم من أين يبدأ الترجمة !! أمن اليمين ، أم من أعلى ، أو أسفل .. ولسنوات وسنوات ، وعلى الرغم من كل ما بذله العلماء من جهد ، فقد فشلت كل محاولاتهم لترجمة اللغة الهيروغليفية ، وكشف أسرارها .. حتى جاء (شامبليون) ..
كان (جان فرانسوا شامبليون) من العلماء الشبان ، الذين عشقوا الحضارة الفرعونية ، منذ نعومة أظافرهم ، والذين جذبهم بشدة (حجر راشيد) ، وكل ما يمكن أن يمنحه من كشوف هائلة ، لذا فقد اتخذ قرارا جريئا ، بأن يتفرغ تماما لمهمة فحصه ، وترجمته، وكشف أسرار اللغة الهيروغليفية ، التى ستساعد العالم كله على الإطلال من نافذة هائلة ، على حضارة تعد الأعظم ، بين كل الحضارات ، التى شهدت العالم القديم ..
ولقد بدأ (شامبليون) مهمته ، وهو فى الحادية والعشرين من عمره ، وتفرغ لها تماما ، وراح يوصل الليل بالنهار ، بحشا عن طرف خيط ، يمكن أن يقوده إلى حل اللغز .. ثم ، وعلى خلاف الآخرين ، لاحظ (شامبليون) أن عدد أسماء الملوك ، فى النصيين اليونانى والديموطيقى ، يتطابق تماما مع عدد الخراطيش ، فى النص الهيروغليفى ، لذا فقد استنتج من هذا أن الخراطيش تحوى داخلها أسماء الملوك .. ومن هنا ، انطلق ( شامبليون) ..
وبحسبة بسيطة ، حدد أسماء الملوك ، فى النص الهيروغليفى ، وترجمها ، وسجل حروفها ، وانطلق منها إلى باقى النص .. وبعد أحد عشر عاما، وفى عام ١٨١٦م، توصل (شامبليون) إلى أعظم كشوف الزمان ، فى علم الآثار والتاريخ القديم ، وحل رموز اللغة الهيروغليفية .. وفتح أنظار العالم كله على الفراعنة .. وعلى دنيا الفراعنة .. وفى ليلة وضحاها ، أصبح (شامبليون) أعظم علماء عصره ، وهو بعد فى الثانية والثلاثين من عمره ، وأحاطت به الشهرة من كل جانب ، وتحول إلى خبير فى لغة الفراعنة ، و ...
وفجأة ، تفجرت فى وجهه اللعنة .. فعلى حين غرة ، ودون أسباب واضحة ، أصيب (شامبليون) بشلل رباعى ، وحمى غامضة ، وراح يهذى ويرتجف ، ثم لم يلبث أن قضى نحبه ، تاركا خلفه من يروى هلاوسه الأخيرة .. وبالمصادفة ، كانت كلها عن الفراعنة.. وانتقام الفراعنة ..
كان هذا عام ١٩٣٢ م، كما يروى لنا ذلك الكتاب ، الذى تحدث عن تريخ لعنة الفراعنة ، السابق لاكتشاف مقبرة (توت غخ آمون) ..
ولا يكتفى الكتاب بربط أشهر عالم آثار بتلك اللعنة الوهمية ، وإنما يسبح معنا إلى أبعد من هذا .. إلى (تيودور بلهارز) ، أستاذ علم التشريح المرضى ، مكتشف أشهر مرض يصيب المصريين ، منذ أيام الفراعنة .. البلهارزيا..
ويقول الكتاب أن (تيودور بلهارز) قد قضى شطرا طويلا ، فى حياته القصيرة ، يطارد تلك الدودة القاتلة ، التى تخترق أجساد المصريين ، وتستقر فى أكبادهم ، وتدمرهم تدميرا بطيئا منتظما ، وتسلبهم نشاطهم وحيويتهم .. ثم حياتهم فيما بعد ..
وبعد تلك السنوات ، خطرت فى ذهن (بلهارز) فكرة عجيبة .. ترى متى بدأت (البلهارزيا) حربها مع المصريين ؟! وفى سبيل إجابة السؤال ، لجا (بلهارز) إلى أمر لم يخطر ببال أحد سواه قط ، إذ انتقل بأبحاثه من الموتى المصابين بالمرض ، إلى مومياوات الفراغة القدامى ، وبالذات تلك الخاصة بالعمال والمزارعين ، الذين تدفعهم ظروف عملهم للخوض فى مياه النيل طوال الوقت .. أيامها ، لم يكن للآثار قيمتها الحالية ، ولم تكن هناك تشريعات قوية ، لحمايتها والحفاظ عليها ، لذا كان من الممكن أن يبتاع (بلهارز) بعض المومياوات ، التى يتم العثور عليها فى الجنوب ، أثناء أعمال الحفر والبناء ، وأن يجري عليها ، تجاربه ..
وكان هذا يعنى بالطبع نبش قبور القدامى ، واستخرج مومياواتهم ، بل وتشريحها والتمثيل بها أيضا .. ولقد نجحت تجارب (تيودور بلهارز) إلى حد كبير ، إد أثبت بالفعل أن المصريين القدامى أصابتهم ( البلهارزيا) ، منذ آلاف السنين ، بل وعثر على بعض الديدان المحنطة داخلهم بالفعل .. ولكن فجأة ، وقبل أن يسجل (بلهارز) تجاربه رسميا وعلميا ، أصابته حمى مجهولة .. حمى لا تشبه التيفويد ، أو أية حمى معروفة أخرى .. ومع الحمى ، التى لم يتم تشخيصها أو علاجها بالطبع ، راح (بلهارز) يهذى ، ويصرخ، وتراوده هلاوس عجيبة ، حول المومياوات ، التى قام بتشريحها ، والتى بدت له وكأنها قد عادت إلى الحياة، لتنتقم من ذلك الذى أقلق راحتها ، ومثل بها ، و... ومات (تيودور بلهارز) ، عام ١٨٦٢ م، وهو بعد فى السابعة والثلاثين من عمره ، بتلك الحمى المجهولة ، التى لم يتم تشخيص أعراضها ، حتى يومنا هذا..
وفى هذه المرحلة ، لا يحاول الكتاب وضع تفسيرات عملية أو منطقية ، لما أصاب (شامبليون) أو (يبلهارز) ، ربما لأنه شغف بمحاولة تأكيد فكرة لغة الفراعنة، بأكثر مما اهتم بتفسيرها ..
ولكن هذا كان دأب الجميع، فى تلك المرحلة الزمنية ، خاصة وأن الفكرة نفسها بدت جذابة ومثيرة ، إذ أنها ترتبط بعالم الأسرار والأساطير ، وحمى السحر والتنجيم والغموض .. ودون أية دلائل علمية أو تاريخية ، أعقبت ذلك الكتاب عدة كتب أخرى ، تنسب موت عشرات المشاهير إلى لعنة الفراعنة ، التى صارت صرعة النصف الأول من القرن العشرين .. حتى (يوليوس قيصر) نفسه ، ادعوا أن لغة الفراعنة قد طاردته ، وأصابت عقله بحمى جنونية ، دفعته إلى تلك الأفعال الديكتاتورية ، التى انتهت بمقتله واغتياله ، على يد مجموعة من المقربين له ، وعلى رأسهم ربيبه (بروتس) .. وأصيب الناس بالضجر والملل ، من هذه الكتب السخيفة ، وقرروا تجاهلها فجأة، فانخفضت مبيعاتها إلى حد كبير ، وبدا وكأن لعبة لعنة الفراعنة هذه قد بلغت نهايتها ، و ......
وفجأة ، ظهر كتاب جديد فى الأسواق .. كتاب قلب كل الموازين ، رأسا على عقب .. وبمنتهى العنف .
انتهى الجزء الثانى ونلتقى مع الجزء الثالث إن شاء الله