recent
أخبار ساخنة

لعنة الفراعنة بين الحقيقة والخيال (الجزء الأول)

امتدت الصحراء المصرية على مدى البصر ، أمام عينى عالم الآثار البريطاتى (هوارد كارتى) ، وهو يجفف ذلك العرق الغزير ، الذى انهمر على جبهته ووجهه ، وهو يقف تحت أشعة الشمس الحارقة ، فى تلك البقعة التى قادته إليها أبحاثه ودراساته ، للبحث عن مقبرة أحد ملوك الفراعنة القدامى .. كان هذا فى العقد الثانى من القرن الشرين ، عندما بلفت حمى البحث عن الآثار ذروتها ، وخاصة بعد الكشوف الأثرية المدهشة ، التى قام بها الألمانى ( هنريش شليعان) ، عندما عثر على بقايا (طروادة) ، فى عام ١٨٧١ م، فى منطقة ( هيسارليك ) ، شمال غرب (تركيا ) ، فى نفس الموقع الذى حدده (هوميروس) ، فى ملحمته الشهيرة ( الإلياذة) ، وسير (آرثر إيفاتز) ، الذى كشف قصر التيه فى (كريت) عام ١٩٠٠م ، ليثبت أن أسطورة المينوتوروس لم تكن مجرد خيال محض.. وكان (هوارد كارتر) يحلم بانضمام اسمه يوما إلى قائمة أولنك الأثريين العباقرة ، الذين حفروا أسماءهم فى تاريخ الكشوف ، بحروف من ذهب ، مما جعله يحتمل الحرارة والرمال الساخنة ، والعرق الذى يلهب عينيه ، طوال عدة أشهر طويلة ، زاره خلالها ممول حملته اللورد (كارنرفون) مرة واحدة ، تركه بعدها للعذاب، وعاد هو إلى قصره البريطانى العريق ؛ ليتباهى بتمويل أكبر حملة للبحث عن الآثار المصرية .. 

حتى جاء شهر فبراير ١٩٢٣م. فى ذلك التوقيت ، عثر (هوارد كارتر) على ما كان يبحث عنه طوال الوقت .. مقبرة الملك الصغير (توت عنخ آمون ) .. لم يكن (كارتر) أثريا بسيطا أو مغمورا ، إذ كـان يحيا فى (مصر) ، منذ عام ١٨٩٠م، للتنقيب عن الآثار ، ورسم المناطق الأثرية المعروفة .. ولم يكن هذا أيضا أول كشوفه؛ إذ كانت له عدة حفائر فى وادى الملوك ، مولها بعض المغامرين الأمريكيين ، وأهلته لإصدار كتابه الشهير (خمس سنوات للكشوف الأثرية فى طيية) .. وعلى الرغم من هذا ، فقد انبهر (كارتر) .. انبهر بما عثر عليه ، وبالكنوز التى رآها فى مقبرة (توت عنخ آمون) ، وببريق الذهب الذى يلتمع فى كل مكان ، حتى إنه أبرق إلى اللورد (كارنرفون) ؛ ليحضر على الفور ، فى حين انشغل هو برسم كل ما يراه داخل المقبرة .. حتى تلك العبارة ، التى جذبت انتباهه واهتمامه طويلا.. عبارة هيروغيفية غير تقليدية، وجدها محفورة على أحد أبواب المقبرة ، تقول: «سيطوى الموت بجناحيه ، كل من يقلق الملك»..أيامها اهتم (كارتر) بالعبارة ، وترجمها ، وسجلها .. إلا أنه لم يشعر بالخوف منها أبدا .. 
وبسرعة ، انتشر الخبر ، وقفزت شهرة (هوارد كارتر) إلى الذروة ، فى عالم الباحثين عن الآثار .. وقفز معه بالتالى أسم اللورد (كارنرفون) . ومع وصول اللورد المغامر ، الذى اشتهر باهتماماته المتعددة والمثيرة ، راح الصحفيون يتدفقون على المكان كالنمل . ومع عدسات كاميراتهم، ظهرت صور الجدران ، والتوابيت ، والتماثيل.. والذهب، الذى زغلل عون لجميع، حتى الحكومة المصرية نفسها ، التى فوجئت ، أو بدا وكأنها فوجئت ، بأن القانون يمنح المكتشف دوما نصف ما يعثر عليه من آثار مهما بلغت قيمتها .. وفى حالة (كارتر) ، كانت (مصر ) ستفقد كنوزا لا حصر لها ، وتحفا أثرية تتجاوز كل ما عرفه العقل ، لو تم تطبيق القانون .. لذا، فقد رفضت الحكومة المصرية تطبيق القانون ، ورفضت منح (كارتر) أو (كارنرفون) ولو حلية واحدة، مما تم العثور عليه فى المقبرة.. بل لقد أحاطتها بحراسة قوية ، واعتبرتها أرضا مصرية ، لها عليها كل السطوة والسيادة .. وبالطبع لم يستسلم (كارتر) لهذا ، وقام بتهريب بضع من آثار مقبرة (توت غغ آمون ) إلى (لندن) ، ولكن كل الاثار الثقيلة بقيت .. ومعها تلك العبارة الرهيبة .. «سيطوى الموت بجناحيه كل من يقلق الملك» .. 
وكان من الممكن أن تبقى العبارة إلى الأبد، مجرد جملة سجلها كاهن مصرى قديم ، من باب المجاملة ، أو حتى القناعة الشخصية ، على أحد جدران مقبرة أصغر ملوك الفراعنة .. لولا ما حدث بعد هذا بقليل .. فبعد شهرين من هذه الضجة تقريبا ، وقبل أن يفقد اللورد (كارنرفون) زهوة انتصاره ، أو ييتلع مرارة حرمانه من كل هذا الذهب، جرح الرجل ذقنه جرحا صغيرا أثناء الحلاقة .. وبسرعة لم يستوعيها أحد، أصيب اللورد البريطاتى بحمى غامضة رهيبة ، رفعت درجة حرارته إلى حد الهذيان ، ودفعته إلى الصراخ والعويل طوال الوقت ، وهو يصرخ بأنه فى قلب الجحيم ، وبأن ملوك الفراعنة يحيطون به، بعد أن جاءوا للاتتقام منه ، لأنه فتح مقبرة أصغرهم ، ودنسها بتواجده البشرى غير الطاهر .. ولفترة قصيرة جدا، واصل اللورد هذيانه وصراخه ، ثم لم يلبث أن أسلم الروح فى الخامس من أبريل ، عام ١٩٢٣ م.. ومع موت اللورد ، فى ريعان قوته ، استعاد بعض الصحفيين تلك العبارة، المنقوشة على مقبرة الفرعون الصغير ، وانطلقوا ينشرون مقالاتهم عنها وحولها ، ويربطون بينها وبين موت (كارنرفون) .. 

وهنا فقط، ظهر نلك المصطلح الشهير ، الذى لم يفارق أسماعنا وأذهاننا ، وعقولنا بعدها قط .. مصطلح (لعنة الفراعنة) .. وكما يحدث دوما، فى كل مرة تنشأ فيها بدعة جديدة ، انتشر المصطلح بسرعة مدهشة، وراح الكل يرددونه ، ويناقشونه ، ويفحصونه ، ويمحصونه.. وكما يحدث أيضا، انقسم المتابعون ، بين مؤيد ومعارض للفكرة .. المؤيدون أكدو أن الفراعنة عاشوا عالما عجيبا غربيا ، ترك لنا الكثير من الغوامض والأسرار ، التى لم يمكننا كشفها بعد ، فليس من المستبعد إذن أن يخلفوا وراءهم لعنة ما، تصيب كل من يدنس قبورهم، حتى ولو كان هذا بحجة تحقيق كشوف أثرية جديدة .. والمعارضون أصروا على أنه لا توجد ركيزة علمية واحدة، يمكن أن تؤيد الفكرة ، وأنه من السخافة أن يتردد أمر كهذا ، لمجرد أن ممول حملة (هوارد كارتر) قد لقى مصرعه بحمى غير معروفة .. وبين هؤلاء وهؤلاء ، وقف (هوارد كارتر) نفسه ، يعلن فى كل المجتمعات ، وكل المحافل العلمية ، أنه لم ولن يؤمن أبدا بما يسمونه لعنة الفراعنة؛ لأنه مستكشف قديم، واجه الأمر عشرات المرات ، دون أن يصيبه مكروه واحد.. والمدهش أن هذا لم يقنع أحدا، خاصة وأن حالات الوفايات ، والموت بأسباب غير معروفة، راحت تنتشر على نحو ملفت للأتظار ، بين كل من كانت له علقة مبشرة ، أو غير مباشرة ، بكشف مقبرة (توت عنخ آمون ) .. وعندما هل عام ١٩٢٩ م، كان عدد من وافتهم المنية منهم ، لأسباب غير واضحة ، اثنين وعشرين رجلا.. وفى العام نفسه ، وفى جلسة خاصة، أعلنت زوجة (كارنرفون) أنها أيضا لا تؤمن بلعنة الفراعنة ، ولا تصدق أن الموتى يمكنهم قتل الأحياء ، بأية وسيلة كانت .. وكان من الممكن أن ينهى تصريحها هذا القضية ويحسمها ، لولا تطور مفاجئ ، لم يكن فى الحسبان أبدا .. فقبل أن يكتمل الأسبوع، أصييت زوجة (كارنرفون) بالحمى الغامضة نفسها ، التى أصيب بها زوجها؛ وراحت تهذى وتصرخ ليومين تقرييا ، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة على فراشها ، تاركة خلفها أكبر موجة من الرعب ، عرفها التاريخ الحديث ، حتى تلك الفترة.. رعب لعنة الفراعنة .. 
ولفترة طويلة ، لم يعد هناك حديث للصحافة ووسائل الإعلام، سوى الفراعنة.. ولعنة الفراعنة .. وظهرت فى الأسواق كتب ، ودراسات ، وروايات ، وحتى أفلام سينمائية صامتة ، تدور كلها حول لعنة الفراعنة .. ومن بين تلك الكتب ، ظهر كتاب يحمل للمهتمين بالأمر مفاجاة مثيرة للغاية .. مفاجأة تقول : إن لعنة الفراعنة لم تبدأ مع فتح مقبرة (توت عنخ آمون) ، بل كانت هناك قبل هذا بقرن من الزمان على الأقل .. ولقد ارتبطت فعليا باثنين من مشاهير العلم .. أو ربما أشهرهم .. على الإطلاق . 
نلتقى فى الجزء الثانى إن شاء الله
لعنة الفراعنة بين الحقيقة والخيال (الجزء الأول)
منتدى مصطفى شاهين التعليمى

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent