recent
أخبار ساخنة

لعنة الفراعنة بين الحقيقة والخيال (الجزء الرابع والأخير)

عبر السنوات الطويلة ، التى تردد خلالها مصطلح (لعنة الفراعنة) ، كانت معظم الكتب والدراسات ، الخاصة بها ، تقتصر على تسجيل ورصد الحالات ، التى ارتبطت بالتنقيب عن آثار فرعونية ، والتى لاقت مصيرا غامضا ، وعانت من حمى مجهوله ، تنتهى عادة بالوفاة ..
ثم جاء كتاب البروفيسير الألمانى (فيليب فاندنبرج) .. وكتاب (فاندنبرج) يعد موسوعة علمية متكاملة ، عن (لعنة الفراعنة) ، ومحاولة شديدة الجرأة؛ للبحث عن تفسير علمى لها، من خلال مختلف اتجاهات العلم، بدءا من الكيمياء، ووصولا إلى الإشعاعات النووية .. ولقد اهتم (فاندنبرج) كثيرا بتسجيل معظم الحالات ، التى أصابتها (لعنة الفراعنة) ، من وجهة نظره، ثم توقف طويلا عند تلك الحمى ، التى أصيب بها معظم الحالات ، وألتى أدت إلى الهذيان والهلوسة ، ثم الموت فيما بعد . ومن هنا ، وضع العالم الألمانى نظريته .. 
ونظرية (فاندنبرج ) تربط لعنة الفراعنة بثلاثة احتمالات علمية ، تبدو فى جانب منها منطقية ومعقولة ، إلى حد كبير .. 
الاحتمال الأول هو أن تحوى مقابر الفراعنة ، وملوكهم على وجه الخصوص ، غازات سامة ، أو عقاقير وأقربة بطيئة المفعول ،من ابتكار الكهنة ، الذين أخفوا دوما علومهم عن العامة ، وإن تركوا لنا دلائلها، من خلال سر التحنيط ، الذى حار فيه علماءالكيمياء ، حتى يومنا هذا .. ومن وجهة نظر العالم الألماتى ، أن الكهنة قد ابتكروا نوعا من السموم شديدة البطء ، أشبه بعقاقير الهلوسة، ومزجوها بأتربة المقابر الخاصة بالملوك، كوسيلة لعقب كل من تسول له نفسه نبشها أو سرقتها .. 
وربما كانت تلك العقاقير أكثر تأثيرا فى الماضى ، وأسرع مفعولا ، إلا أن خواصها قد تغيرت تعاما ، عبر آلاف السنين من التخزين ، ولكنها ، وفى كل الأحوال ، تترك أثرها فى دماء كل من يقتحم المقابر الفرعونية ، ويستنشق ترابها ، ثم يبدا تأثيرها بعد عدة سنوات على شكل حمى، وهذيان وهلوسة .. 
والاحتمال قد يبدو منطقيا للوهلة الأولى ، إلا أن قليلا من التفكير فيه ، يجعلنا ندرك عقمه تماما ، إذ أن العلم قد قطع شوطا ضخما ، فى السنوات العشر الأخيرة، وأصبح من السهل تحليل أتربة المقابر ، ومعرفة كل ما تحويه، بل إنه هناك مراكز متخصصة لأبحاث الترية ، يمكنها تحديد مكونات أية عينة من الأتربة بمنتهى الدقة .. وبمنتهى السرعة أيضا .. 
والكشوف الأثرية ما زالت مستمرة، ولم تتوقف حتى الآن ، ولو أن احتمال السموم بطيئة المفعول هذا وارد ، لتوصل إليه العلم الحديث فورا.. ولكن (فاندنبرج) نشر كتابه فى سبعينات القرن العشرين ، وقبل أن يبلغ العلم هذا الحد ، أو تظهر أجهزة وبرامج الكمبيوتر ، التى قلبت كل الموازين ، رأسا على عقب ..
ولكن دعونا لا نتوقف طويلا عند الاحتمال الأول ، ولننتقل منه إلى الاحتمال الثانى ، والأقرب إلى المنطق .. الفيروسات .. فالبروفيسير الألمانى يفترض أنه كان هناك فيروس قديم ، كامن فى أتربة مقابر ملوك الفراعنة.. فيروس ساد فى القرون القديمة ، أو استخدمه الكهنة أيضا ، فى فترة ما، أو أنهم قد ورثوه من حضارة سابقة !! وذلك الفيروس ينتقل إلى أجساد من يقتحم المقابر ، ويسرى فى دمه وأنسجته ، ليقضى فيها فترة حضانته ، التى تبلغ سنوات وسنوات ، وترتبط بالقابلية الشخصية للإصابة ، وبقوة مناعة الجسم ، التى تختلف من شخص إلى آخر وعندما يبدأ ذلك الفيروس المفترض نشاطه ، يصاب الإتسان بالحمى ، التى تهاجم المخ على الأرجح ، مسببة الهذيان والهلوسة .. 
والاحتمال هذه المرة منطقى وعلمى تماما، ويمكننا هضمه واستيعابه ، إلى حد كبير ، وخاصة بعد ظهور فيروس (الإيدز) ، الذى يكمن فى الأجساد لسنوات طويلة بالفعل ، قبل أن تبدأ أعراضه فى الظهور ..
ثم إن فكرة الفيروس هذه تتناسب مع الحمى المخية ، والهذيان ، والهلوسة ، والوفاة أيضا .. وكذلك تتفق مع عجز الأطباء عن تشخيص المرض ، فى عصر لم تكن الأبحاث الطبية قد تطورت إلى الحد الكافى ، لكشف مثل هذه الكائنات الدقيقة ، واستيعاب طبيعتها وأعراضها .. 
ولكن تعود بنا الخيوط إلى السؤال الأول .. لماذا لم يعد ذلك الفيروس يظهر ، فى الكشوف العلمية والأتربة الحديثة ؟! هذا السؤال نتركه للبروفيسير الألمانى ، ونتركه لعقولنا ، تدرسه ، وتناقشه ، وتحلله .. ثم تتوصل إلى نتائجه .. 
أما نحن، فسننتقل إلى الاحتمال الثالث ، فى نظرية (فاندنبرج) .. والاحتمال الثالث مدهش ، ومثير للحيرة، ولست أدرى حتى كيف وضعه العالم الجليل ، ولكن يبدو أن إيمانه بالفراعنة كان يتجاوز كل الحدود .. فذلك الاحتمال ، هو أن ترتبط (لعنة الفراعنة) بنشاط إشعاعى ذرى ، ظل مختزنا داخل مقابر الملوك لآلاف السنين ، لينطلق فى وجه كل من ينبشها وربما يتفق هدا الاحتمال مع بعد التأثير ، ومع أعراض الحمى والهلوسة والهذيان ، والموت فى نهاية المطاف ، كما يتفق أيضا مع عجز الأطباء القدامى عن تشخيص الحالات ، وحيرتهم فى مواجهتها ، إلا أنها تضعنا أمام احتمال جديد ، يبدو اكثر خيالا من كل ما سبقه .. 




احتمال أن الفراغة كتت لديهم معرفة دقيقة بالنشاطات الإشعاعية.. وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق .. حتى لو افترضنا أنهم قد توصلوا إلى تراب اليور انيوم مثلا، وأن الكهنة قد أدركوا أنه يختلف عن التراب العادى ، وأن له تأثيرات فتاكه على كل من يلمسه أو يستنشقه ، فسنتساءل بدورها، كيف أمكنهم اتقاء تأثيره عليهم ، دون أن تكون عندهم أبحاث ، ودراسات ، ووسائل مقاومة ؟! 
ولو افترضنا أن هذا قد حدث بالمصادفة ، ودون وعى منهم ، وأن بعض المواد ، الداخلة فى مساحيق التحنيط، كانت مواد مشعة فتاكة ، فأين ذهبت هذه المواد ، ولماذا غاب تأثيرها ، واختفت من المقابر ، على الرغم من أنها قد بقيت لآلاف السنين ؟! ثم لماذا تواجدت فى الكشوف القديمة ، ولم تتواجد فى الكشوف الحديثة ؟! كل هذا ينبغى أن يقودنا إلى نتيجة واحدة لاغير ، مع جزيل احترامنا للبروفسير (فاندنبرج) ، وشهرته ، وعلمه الغزير .. 
يقودنا إلى إنه لا وجود لما يسمى بـ (لعنة الفراعنة ) ! ربما كانت هناك حوادث عديدة، ترتبط بكل من نقب اثار ، فى أزمنه انخفضت فيها درجة الوعى الصحى ، إلا أن هذا لا يعنى وجود لعنة أسطورية، صالحة لخيال الكتاب والسينمائيين ، ولكنها غير قادرة على إقناع أى صاحب عقلية علمية أو منطقية .. وهنا ينبغى أن أضم صوتى لكل الأصوات ، التى ترفض ، وبشدة ، فكرة (لغة الفراعنة) هذه ، والتى تستنكر حتى ترديد المصطلح ، أو حتى مناقشة احتمالات صحته .. وأهم ما ينبغى معرفته ، فى هذا الشأن ، هو أن أكثر من هاجم الفكرة ، وحارب لإثبات زيفها وحمقها هو الشخص الذى ارتبط اسمه بمنشئها ، منذ أول مرة ظهر فيها المصطلح .. (هوارد كارتر) شخصيا .. 
فمع شغف الناس بالحديث عن الأمر وترديده ، كتب (كارتر) عددا كبيرا من المقالات ، وألقى مئات المحاضرات ، واشترك فى عشرات الندوات ، ليهاجم الفكرة ، ويؤكد أنها مجموعة من المصادفات السخيفة ، بدليل أنه أول من دخل مقبرة (توت عنخ آمون)  أو أول من رصد ما بداخلها، لو شئنا الدقة ، ولم تصبه أية أعراض ، يمكن أن ترتبط بالمصطلح .. لا ألم، أو حمى، أو هذيان ، أو هلوسة .. 
ولقد عاش (كارتر) حتى عام ١٩٣٩م، فى صحة جيدة، ودون أن يعاتى سوى من الأعراض الطبيعية للتقدم فى العمر ، حتى مات ميتة عادية فى فراشه ، وهو يواصل إنكاره واستنكاره لفكرة (لعنة الفراعنة) .. ولكن العجيب والمدهش أن أحدا لم يستمع إليه .. هذا لأن الفكرة ، بما تحويه من أسطورة وغيبيات ، قد استهوت الناس ، فى كل أنحاء العالم ، وأصبحت مادة تجارية رابحة، ووسيلة لترويج مئات الكتب ، والروايات ، والدراسات ، وأفلام السينما .. وهكذا أغلقنا جميعا باب العقل والمنطق، وغرقنا حتى النخاع فى هلاوس وخزعبلات وخرافات ، وروايات لادليل أو أساس لها .. أو ربما نفعل هذا كجزء من لعنة ، تلازمنا جميعا بلا هوادة .. لعنة الفراعنة . 
(تمت بحمد الله) 
د/ نبيل فاروق رمضان
قد يهمك أيضا
(1) لعنة الفراعنة بين الحقيقة والخيال (الجزء الأول)
(2) لعنة الفراعنة بين الحقيقة والخيال (الجزء الثانى)
(3) لعنة الفراعنة بين الحقيقة والخيال (الجزء الثالث)

لعنة الفراعنة بين الحقيقة والخيال (الجزء الرابع والأخير)
منتدى مصطفى شاهين التعليمى

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent