فى صيف ١٩٨٥ م ، وبعد أشهر من البحث، استقل البروفيسير (رويرت بولارد)، المتخصص فى تصوير الأعماق الغواصة العميلة (ألفن)، والمجهزة للغوص حتى مسافة ١٣ ألف قدم، تحت سطح المحيط، لا ستكمال مشروع البحث عن حطام سفينة، غرقت منذ ثلاثة وسبعين عاما تقربييا ..
كانت الغواصة (ألفن) مزودة بإنسان آلى صغير ، يكمن فى تجويف حاص فى مقدمتها ، ويمكن إطلاقه بوساطة قائدها ، إلى مسافات تعجز الغواصة عن بلوغها ، فى أعمق الأعماق ..
وعبر كاميرا صغيرة ، فى مقدمة الآلى (أرجو) ، راح البروفيسير (بولارد) يتلقى عشرات الصور ، لأعماق المحيط الأطلنطى ، فيفحصها ويراجعها بمنتهى الدقة ، دون أن يعثر فيها على أدنى أثر لما يبحث عنه ..
ثم فجأة ، بدأ (أرجو) يرسل مجموعة من الصور الإيجابية .. صور لم تكن واضحة فى البداية ، إلا أنها لم تلبث أن اتضحت رويدا رويدا، وأصبحت جلية نقية، على نحو انتفض به قلب (بولارد) بين ضلوعه ، وتفجر معه الحماس فى قلوب كل رجل من رجال بعثته الصغيرة ..
هذا لأن (أرجو) قد عثر أخيرا على السفينة موضع البحث .. والأهم ، أنها لم تكن سفينة عادية .. بل كانت أشهر سفينة غارقة ، فى التاريخ الحديث كله .. كانت (تايتاتيك) .. و(تايتانيك) هذه كانت سفينة عظيمة هائلة ، تعتبر طفرة تاريخية فى تاريخ صناعة وبناء السفن ، إذا أنها أضخم سفينة ركاب شهدها العالم ، حتى تاريخها ، فقد بلغ وزنها ٥٢٣١٠ طنا ، وبلغ طولها ٨٨٢ قدما، وعرضها ٩٤ قدما فى المتوسط ، كما أن ارتفاعها كان يبلغ ارتفاع مبنى من أحد عشر طابقا .. حتى اسمها ، كان يعنى المارد ..
ولم تكتف (تايتانيك) بالضخامة وإنما أضافت إليها الفخامة ، المفرطة أيضا ، والتى لم تعرفها سفينة ركاب من قبل ، وبالذات فى درجتها الأولى ، ذات حجرات النوم الهولندية ، وقاعات الطعام الكبيرة ، والصالونات الفاخرة ، والشرفات الضخمة.. وعندما تم الإعلان عن تدشين (تايتانيك) ، تسابق كبار اثرياء والتجار لحجز أماكنهم عليها؛ للفوز بأولى رحلاها ، التى ستعبر خلالها المحيط ، حتى تصل إلى الشاطئ الأمريكى ..
وفى العاشر من أبريل ١٩١٢م، ترقب العالم بمنتهى اللهفة، رحلة (تايتانيك) الأولى عبر المحيط، وأحيطت تلك الرحلة بدعاية هائلة ، حتى لقد اصطف آلاف الناس ، على رصيف ميناء (كوينستون) فى (إنجلترا) ، بين مدوعين ومشاهدين ، لمراقبة السفينة العملاقة، والانبهار بها ، ومشاهدة انطلاقتها الأولى ، وعلى متنها صفوة الأثرياء ورجال المجتمع ، وفى قاعها مئات من مسافرى الدرجتين ، الثانية و الثالثة .. وانطلقت (تايتانيك) ..
انطلقت تمخر عباب المحيط ، فى زهو وخيلاء ، وصاحبها يلنن ، فى تعال مغرور ، أن سفينته من القوة والضخامة، حتى إن الخالق نفسه ، لا يمكنه أن يغرقها ، والعياذ بالله (عز وجل) .. ويا لها من عبارة جاحدة، متجنية، مغرورة، حمقاء. ففى الرابع عشر من أبريل ، وبعد أربعة أيام فحسب من بدء رحلتها، وبخطأ ملاحى صغير ، ارتطمت العملاقة (تايتانيك) بجبل جليدى ضخم ، لم يدر أحد - حتى هذه اللحظة - كيف لم يره قبطانها ومهندسوها وبحارتها .. وسبحان الله العلى القدير ..
فعلى الرغم من أن السفينة الماردة ، كانت مصممة بحيث يمكن عزل أى قسم يصاب منها ، عن باقى أجزائها ، إلا أن المياه قد غمرتها بسرعة مدهشة ، لم تسمح لمن فيها باتخاذ أية إجراءات وقائية ..
وابتسم القدر فى سخرية ، عندما بدأت (تايتانيك) تواجه ما تصور صانعوها أنه مستحيل !! وطوال اثنتى عشرة ساعة كاملة ، وبكم هائل من الرعب ، واضطراب ماله حدود ، راحت ( تايتانيك) تغرق.. وتغرق.. وتغرق ..
وفى يوم ١٥ أبريل ١٩١٢ م، اختفت (تايتانيك) تماما، فى قاع المحيط الأطلنطى .. وكان يمكن ألا نربط بين غرقها ولغة الفراعنة ، بأى حال من الأحوال ، لولا ما نشره أحد الناجين منها قيما بعد ، مع روايته كشاهد على عملية غرق أشهر سفينة فى التاريخ ..
ففى شهادته ، أشار الرجل بشكل عابر ، إلى أن مخزن بضائع السفينة كان يضم تابوتا لكاهنة فرعونية ، ارتبط وجوده بأحداث مخيفة رهيبة ، قبل أن يغرق مع كل ما غرق ومن غرق مع (تايتانيك) .. فمنذ تم وضع التابوت فى مخزن البضئع ، فى قاع (تايتانيك) ، كان عمال المخزن يرون ويسمعون ما أصابهم بالرعب ، وجعلهم يطالبون بإعفائهم من العمل ، أو نقلهم إلى وظيفة أخرى ، حتى ولو تم تخفيض رواتبهم ، أو مضاعفة جهدهم ..
فما أن يحل الليل ، حتى يسمعوا تاوهات الكاهنة، ويرون شبحها، و ........... والواقع أننى شخصيا لا أصدق حرفا واحدا من كل هذا، بل وأشعر معه بالكثير من الخيال والتدليس ، خاصة وأنه ليس من السهل أن تتواجد امرأة فى عالم الكهنة ، فى (مصر) الفرعونية .. ثم إن أحدا لم يعثر على ذلك التابوت المزعوم قط، بعد العثور على حطام (تايتانيك) ، وكل ما كان على سطحها تقريبا .. إلا أن القصة تجد صدى كبيرا ، لدى كل المتابعين لأسطورة لعنة الفراعنة ، وكل من يسعى لإثبات صحتها أو عدمها ، حتى إنك ستجدها فى عشرات الكتب والمراجع، الخاصة بهذا الأمر ..
وعندما تم سؤال البروفيسير (روبرت بولارد) عن قصة تابوت الكاهنة هذه ، جاءت إجابته غامضة للغاية ، إذ أنه لم يؤكد وجوده ، كما لم يؤكد فى الوقت ذاته العثور على عشرات الأشياء الأخرى ، ولكنه لم ينف فكرة تواجده تماما، وإنما أشار إلى أن عشرات السنين ، التى قضتها ( تايتانيك) ، فى قاع المحيط الأطلنطى ، كانت كافية تماما لتحلل وفساد واختفاء الأشياء ، من سطحها، وقاعها ، ومخزن بضائعها بالطبع ..
وجواب البروفيسير (بولارد) منطقى تماما ، فالتابوت كان مصنوعا من الخشب ، وليس من الحجر، والمومياء ستتلف حتما ، وسط المياه المالحة ، وربما تلتهمها الأسماك أيضا .. أو أن هناك تفسيرا آخر .. ففور الإعلان عن العثور على حطام السفينة العملاقة ، تسابق منات من هواة التحف والأثريات، لحجز وشراء أى شىء، تم العثور عليه داخلها..
وهناك شائعة قوية ، تقول : إن أحد كبار الأثرياء الأمريكيين قد ابتاع التابوت سرا، وبداخله مومياء الكاهنة بالطبع ، خشية أن يطالب به متحف (نيويورك) رسميا ، نظرا لأنه كان مشحونا لحسابه ، بالفعل ، عندما غرقت (تايتانيك) .. ولكنها تبقى مجرد شائعة .. تماما ككل ما يرتبط بتلك اللعنة الوهمية المزعومة .. فمن المدهش أنه ، وعلى الرغم من انتشار المصطلح ، ومن آلاف القصص والروايات ، وأفلام السينما، والكتب التى دارت حوله ، إلا أنه لا توجد قصة دقيقة واحدة، أو حتى رسالة علمية منطقية ، حاولت بحث الأمر ..
كل ما حدث هو عملية رصد دقيقة لحالات الوفيات ، بين معظم من عملوا فى مجال البحث عن الآثار الفرعونية .. والعجيب أن أحدا لم يتحدث عن أية لعنة، تصيب الباحثين عن الآثار الرومانية ، أو اليونانية ، أو الآشورية ، أو حتى حضارات الأنكا ، فى (أمريكا) الجنوبية.. فقد ارتبطت اللعنة بالآثار الفرعونية .. وبالذين سعوا خلف الآثار الفرعونية ..
الرحالة الشهير (بلزونى) مثلا، جاب العالم ، بحثا عن الآثار ، فى مختلف البلدان ، وحقق انتصارات مدهشة ومثيرة ، دون أن يصيبه مكروه .. ثم جاء إلى (مصر)، وبدأ ينبش قبور الفراعنة ، ونقل قاعدة تمثال (آمون) من (الأقصر) ، وانتشل مسلة من قاع النيل ، وأجرى أبحاثا طويلة عن هرم (خوفو)، بحثا عن مدخله، واقتحم المقابر ، والمعابد ، واستخرج الجثث ، والمومياوات ، والعظام .. ثم فجأة، أصابه ذلك المرض الغامض ، الذى أصاب معظم علماء الآثار ، فسيطرت عليه حمى لاهبة ، وأصابه الهذيان ، وطاردته الهلاوس ، حتى لقى حتفه، فى مساء الثالث من ديسمبر ، عام ١٨٢٣ م، وهو بعد فى الخامسة والأربعين من عمره ..
نفس الحمى .. ونفس النهاية .. ولأن حالات الموت متشابهة دوما، فى كل من أصابته لعنة الفراعنة المزعومة ، فقد جذب هذا انتباه واهتمام البروفيسير الألمانى (فيليب فاندنبرج) ، والذى خرج إلينا بتفسير جديد للعنة الفراعنة .. تفسير علمى .. ولأول مرة .
انتهى الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع والأخير بإذن الله